عام

الحب الحقيقي

في عام 2014، كان كل شيء يبدو عاديًا وبسيطًا في حياة “شين لان” و”لي مي”. كانا شابّين يخطوان بثقة نحو حياة زوجية هادئة، محمولة على أجنحة الأحلام والقلوب المُحبة. لم يتصوّرا قط أن القدر يخبّئ لهما اختبارًا يفوق الوصف.

في أحد أيام مقاطعة “تشجيانغ”، اصطدمت أحلامهما بجدار الواقع حين تعرّضت “لي مي” لحادث سير مروّع، أصابها بإصابة دماغية خطيرة. دخلت في غيبوبة لثلاثة أشهر، وعندما استعادت وعيها، كانت قد فقدت كل شيء: ذاكرتها، إدراكها، وهويتها. باتت بعقل طفلة صغيرة، لا تميّز العالم حولها إلا كضباب باهت بلا معنى.

الأطباء قالوها صراحة: “لا أمل.” ونصحوا “شين” أكثر من مرة أن يُكمل حياته، أن يتركها تمضي إلى مصيرها وحدها. لكنّه لم يترك.

بينما تراجع الجميع، تقدّم هو بثبات. بقي بجوارها، لا كعاشق، بل كحارسٍ وفيّ للذكرى، وللوعد. علّمها من جديد كيف تنطق، كيف تمسك الملعقة، كيف تبتسم. كان يغسلها، يطعمها، يحدّثها، ويبكي دون صوت. كل يوم كان اختبارًا جديدًا للحب في أنقى صوره.

تلاشت مدّخراته، وبلغت كلفة العلاج 5000 يوان يوميًا (ما يقارب 700 دولار). باع كل ما يملك، ونام كثيرًا بلا طعام، لكنه لم يشتكِ، ولم يتراجع. كل ما أراده هو أن تعود “لي مي”، ولو بجزء صغير.

تأثّر الناس بقصته، فبدأت التبرعات تصل. إحدى دور الرعاية فتحت أبوابها للي مي، ووفّرت لـ “شين” عملًا بسيطًا داخلها، فقط ليبقى قريبًا منها.

مرّت السنوات، وسؤال واحد ظلّ يتكرّر على مسامعه:
“لماذا لا تبدأ من جديد؟ لماذا لا تتزوّج غيرها؟ لمَ تهدر عمرك؟”
وكان جوابه صامتًا… لكنه أوضح من أي خطاب: “لأني وعدتها.”

وتزوّجها فعلًا. لم تكن امرأة مكتملة العقل والجسد، لكنها كانت القلب الذي أحبّه يومًا، ولا يزال يراه حتى وإن غاب عن العالمين.

اليوم، يعيشان معًا في دار الرعاية. هي لا تزال بحاجة إلى العون في كل شيء، لكنه حاضر. يُغني لها، يمسك يدها، يبتسم حين تبتسم، ويتألّم حين تتعثّر.

#العبرة:

هذه القصة ليست أسطورة، ولا دراما خيالية. إنها قصة حقيقية، تُعلّمنا أن الوفاء ليس بطولة، بل صدق. وأن الحب الحقيقي لا يُقاس بما يمنحه الطرف الآخر من اكتمال، بل بقدرتك أنت على البقاء، حين لا يبقى من الآخر إلا قلبٌ ضعيف ينتظرك.

في زمن الخذلان السريع، تظلّ قصص كهذه تهمس في آذاننا: الوفاء لا يحتاج تصفيقًا، بل يحتاج قلبًا واحدًا لا ينسى، ولا يتراجع، ولا يخون.
نجيب السميعي   #وقائع_الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى