حياة امبراطورة

إذا أردتم أن تعرفوا كيف تتبدل حياة الرؤساء والجالسين على العرش وكيف يفقدون توازنهم بعد فقدان تلك الهالة العجيبة للكرسي فاقرأوا هنا جزءًا يسيراً من حياة الإمبراطورة ثريا اسفندياري بختياري بعد طلاقها من شاه إيران محمد رضا بهلوي والتي عاشت في الفترة بين (22 يونيو 1932 – 26 يونيو 2001).
تقول ثريا في مذكراتها:
بعد زمن قصير من الطلاق بين الشاه، وبيني، الذي وقع عام 1958م خطر لي في أحد الأيام أن أذهب، لأول مرة، إلى سوق المدينة، لأشتري بعض ما كنت في حاجة إليه .
ولما كنت أرتدي ملابس بسيطة، فلم يعرني. الناس التفاتاً خاصاً .. ولكن ما إن بلغت الشارع الرئيسي، حتى اضطربت في مشيتي ، وأخذت أصدم المارة، وأضطر إلى الاعتذار .
لقد كان بصري سليماً ، وقدماي قويتين، ثابتتين .. لكن كل ما في الامر ، أنني كإمبراطورة فقدت المران على السير في حشد من الناس .. ذلك لأن الامبراطورة تألف أن يفسح الناس لها الطريق ، باحترام ، في غدواتها ، وروحاتها .
ومع أنني كنت، وأنا إمبراطورة، أتجول في (جادة فينيتو)) بروما، أو ((الشانزليزيه)) بباريس .. إلا انني كنت دوماً في صحبة نفر من رجال القصر، يفسحون لي الطريق. أما اليوم ، فأني وحيدة ، وكلما بلغت مفترقاً للطرق ، أصاب بذعر حقيقي، ولا أعود أعرف كيف أجتاز الطريق ، وكيف أتجنب السيارات التي تقترب .
وكانت حالي أسوأ حين أقود سيارتي … لأنني تعودت في طهران أن يسبق سيارتي رجال الحرس بدراجاتهم الآلية، يقطعون السير، ليتسنى لي المرور … لم أكن يومذاك أكترث لإشارات الضوء الأحمر، أو الأخضر، وفجأة
وجدت نفسي هنا في متاهة من لافتات التحذير ، والمنع.
وفي صباح أحد الأيام، ذهبت إلى السوق ، تصحبني سكرتيرتي، في سيارة صغيرة، لا تحمل لوحة دبلوماسية .. وما إن أخذت أقف بسيارتي قرب الرصيف ، حتى تقدّم مني أحد رجال الشرطة ، وخاطبني بلهجة قاسية ، فقال :
– ألم تري شارة منع الوقوف، حيث تقفين؟
وردت سكرتيرتي فقالت :
– إن السيدة لا تحفظ أنظمة السير هنا .. إنها امبراطورة ايران السابقة ..!
وردّ رجل الشرطة قائلاً:
-يا للغباء .. اسمحي إذن برخصة القيادة.
ولما وقع نظره على بطاقة هويتي ، أصابه ذهول ، وتوارى فجأة، وهو فاغر الفم من الدهشة.
لقد عشت في القصر بطهران ((في القطن)) سبع سنين .. لم يكن لي فيها أن أقوم بأية حركة ، أو بادرة .
لم يكن يتاح لي أن أصبّ الشاي في قدح، لأن ذلك لا يليق لي ، بل كان من شأن وصيفة الشرف.
وفي شؤون المال ، لم تكن يدي طليقة … ولما كان محرماً علي كإمبراطورة، أن أحمل نقوداً، كان أحد المرافقين يسدد ثمن ما أختار من الحاجات .
لم يكن نظري يقع على قائمة فندق، ولم أكن أعرف كيف أطلب وجبة من الطعام ، ولا أي فضلة من المال تدفع للخدم … ولقد بقيت على هذه الحال مدة طويلة بعد طلاقي، وكانت والدتي تتولى كل ذلك عني .