صديقي والتابوت

كان لي صديق عاش سنوات طويلة خارج العراق، وبعد سقوط النظام عاد فجأة، وبقدرة قادر أصبح في منصب مسؤول كبير.
صدفةً التقيت به في السوق، وبعد حديث قصير دعوته إلى الغداء في منزلي. ورغم ضيق وقته، قبِل الدعوة، فأعطيته العنوان. وفي اليوم التالي، جاء إلى بيتي.
عندما دخل غرفة الاستقبال، لفت انتباهه وجود كتب الأدعية والمصحف الشريف على طاولة في منتصف الغرفة. فقال لي متعجبًا:
– يا أبا أسامة، لماذا تصلي هنا ولا تذهب إلى المسجد؟
أجبته بكل صراحة:
– أصلي هنا حتى لا تفوتني الصلاة في وقتها، خاصة إن كنت منشغلاً.
نظر إليّ بإعجاب وقال:
– يبدو أنك إنسان متدين ومتقٍ بشكل كبير.
تناولنا الغداء معًا وتبادلنا الحديث، وقبل أن يغادر، أعطاني بطاقة تحتوي على اسمه وعنوانه ورقم هاتفه، وقال لي بابتسامة:
– الأسبوع القادم سيكون العشاء في بيتي.
فأجبته:
– على بركة الله.
في الموعد المحدد، ذهبت إلى منزله. استقبلتني سكرتيرة أنيقة عند المدخل، ثم قادتني إلى الصالة. وهناك، لفت انتباهي مشهد غريب: كان هناك تابوت خشبي موضوع في زاوية الغرفة، وبجواره مصحف وكتب أدعية.
سألته بفضول:
– ما قصة هذا التابوت؟
فقال لي بهدوء:
– هذا هو مكاني للنوم كل ليلة. منذ عودتي إلى العراق، قررت أن أنام فيه لأحاسب نفسي يوميًا، وأبقى متذكرًا الموت والقيامة والحساب. والسكرتيرة التي رأيتها؟ غرفتها في الطابق العلوي، بعيدة تمامًا عني.
أبديت إعجابي بما يفعل وقلت له:
– تصرفك عظيم حقًا، جعله الله في ميزان حسناتك. لكن لدي طلب بسيط منك.
قال:
– تفضل، أنا في خدمتك.
قلت:
– أريد مع العشاء ثلاث ملاعق: واحدة من الفافون (الحديد)، والثانية من الفضة، والثالثة من الذهب.
ضحك وقال:
– طلب بسيط جدًا، وسألبي طلبك بالتأكيد.
جلسنا للعشاء، وجاءت الملاعق الثلاث كما طلبت. تناولنا الطعام، شربنا الشاي، وتبادلنا الحديث الطويل. وعندما ذهب صديقي إلى الحمام ليغسل يديه، استغليت الفرصة وأخذت الملعقة الذهبية ووضعتها داخل التابوت وأغلقته بإحكام.
غادرنا المكان بعد سهرة جميلة، وعدت إلى منزلي.
بعد يومين، تلقيت اتصالًا منه. قال لي بصوت مرتبك:
– السلام عليكم يا أبا أسامة، كيف حالك؟
أجبته:
– وعليكم السلام، الحمد لله بخير. كيف حالك أنت؟
قال:
– هناك أمر محرج أريد أن أتحدث معك فيه، لكنني خجلان جدًا.
فقلت له:
– لا داعي للخجل، نحن كالأهل. تكلم بحرية.
قال:
– الملعقة الذهبية التي تناولت بها الطعام في منزلي اختفت. وأخشى أنك ربما وضعتها في جيبك عن طريق الخطأ دون أن تنتبه.
ابتسمت وقلت له:
– يا أخي، ألم تقل إنك تنام كل ليلة في التابوت وتحاسب نفسك بدقة، والسكرتيرة في الطابق العلوي؟ إذن، ابحث عن الملعقة الذهبية داخل التابوت، ستجدها هناك.
السؤال لقرائنا المحترمين :
هل تعتقدون أن المظاهر تدل دائمًا على ما في القلوب؟
وكيف يمكن أن نحكم على تصرفات الآخرين؟
أبو محمد #وقائع_الشارع_العربي