جدتي

#يقول_أحدهم:
كلما ذهبت لبيت جدي..أجد جدتي تجلس في ركنها ،تبتسم كلما رأتني ،وتطلب مني ان أقترب منها..ثم تضع يدها فوق رأسي وتتمتم بعض الكلمات ..ثم تدعو الله لي بالفلاح والنجاح..أحيانا تعطيني بعض من الحلوى..رغم أنني في الثلاثين من العمر..تعاملني كالطفل الصغير..
كنت ألتمس منها كثير من الحب وكثير من العطف..
فهي جدتي الغالية…هذا ماكنت أرى فيها فقط..
بالنسبة لي هي سيدة عجوز . تحتاج لكثير من الرعاية وكثير من الحب..فعمي وزوجته يقدمون لها كل مايجب..وكل ماهو مطلوب…هكذا كانت هي نظرتي للأمور…ونظرتي لها..
لكن…..
شاءت الأقدار..
أن تحدث مصيبة في بيتنا…
أخي المتهور البالغ من العمر عشرين سنة ..لم يكمل بعد تعلم السياقة..ومع ذلك أخذ سيارة أبي على حين غفلة منه..
وساقها بكل تهور…ليصدم شابا صاحب الخمسة عشر سنة..
ويدخله الإنعاش…….
عندما أخبرنا أبي بالكارثة انهارت أمي..وحتى أبي كان يتماسك نفسه.فقط……حتى أخواتي البنات لم يعرفن سواء البكاء.
نحن عائلة بسيطة …متحابين لبعضنا البعض…
.تمر أيامنا بسلاسة طيبة .
لم نعش من قبل مشاكل كبيرة ..مع أي كان..أبي وأخوه متفاهمين …وحتى عائلاتينا..يعيشان في تفاهم ووئام….
وعرف عن أبي الاستقامة وعن أمي السلم..
فجاءت هذه الأزمة ..لتجعل منا أشخاصا مختلفين..
أمرنا أبي بأن لا نعلم جدتي بالأمر..حتى عمي عندما وصله الخبر..كان هو الأول الذي ذهب مع أخي ليسلم نفسه..
قال لنا.أبي لا داعي لنخبرها..إنها كبيرة في السن ومريضة وسوف تتألم لهذا الخبر…كونها أم هي أيضا..
لكننا لم نلبث الا عدة ساعات..حتى كانت تطرق الباب زوجة عمي…مع جدتي..!!!!
نبض الأمومة….لا يتوقف أبدا..مهما بلغت الأم من العمر..
هي المعنية بالأمر.الٱن….ففلذة كبدها يحتاجها …ويجب أن تكون في المستوى :
أول شيء طلبت من أبي وعمي .إصطحابها الى بيت الضحية..محملة بالفواكه…وبمبلغ مالي معتبر ….
مثلما نتص عليه العادات الأصيلة…
بمجرد ما دخلت لبيت الضحية..تعرفت عليها جدته..كانت جارة قديمة…كان الاستقبال حار رغم الألم ورغم الدموع.
هكذا حكى لنا عمي..هذه نقطة طمأنت أبي بعض الشيء ..
ثاني شيء…أمرتنا جميعا بالصوم …نعم بالصوم .
قالت أنها أدارت هكذا أزماتها فيما مضى. الصوم والدعاء..بالفرج وابتعاد المحنة …
والشيئء الأهم …أمرت أبي بالتصدق.والسؤال عن المرضى من معارفنا ..
وإخراج الطعام لكثير من من حولنا…خاصة المحتاجين..
كانت تردد أن الصدقة تدفع البلاء. وأن إطعام الطعام يأتي بالسلام ….
لم تعد تلك العجوز الضعيفة..بل أصبحت هي المسير الكفء لتلك .الأزمة ..حتى أنني رأيت أبي وهو يضع رأسه بين يديها كالطفل الصغير..وهي تطمأنه…….
كلنا كنا ندعو ..دعاءا واحدا…أن يستيقظ الصبي من الغيبوبة .وأن تمر الأمور بسلام..
أخذ الأمر عشرون يوما…كانت أطول عشرون يوم..عشناها في حياتنا…
أيام من الدعاء والترقب..والقلق والحيرة….
إلى أن كلم أبي أحد الممرضين ..ليزف له الخبر الطيب والمنتظر..أن الولد إستيقظ من الغيبوبة وهو حالة مقبولة..
لم نتوقف عن الحمد والشكر..
وخاصة جدتي…لم تتوقف عن الصلاة..وعن ركعات كثيرة ..ركعات الحمد والشكر ..على إنسحاب الأزمة..
وكل مابقي من المشكل فهو هين ..أصبح هين..بالنسبة لنا..
حكم على أخي بخمس سنوات..سجن…
ومع التخفيف وحسن السير والسلوك خرج بعد سنتين ……
تغيرت نظرتي لجدتي..ولكل جد وجدة…
بالنسبة لي .هي حديقة من التجارب المفيدة..التي يجب أن نعطيها حقها من الاحترام والوقار…
أصبحت أرى أن كل بيت فيه شخص كبير جد أو جدة..عم أو عمة..أوخالة وخال….
فهو بيت ٱمن .وكله خير وبركة…..
أصبحت بالنسبة لي هي السند كله .حتى أنني أصبحت أطلب منها من الحين والٱخر أن تمكث معنا في بيتنا…
فلم تعد في نظري…مجرد إمرأة مسنة …تلك العجوز….
تالية #وقائع-الشلرع-العربي