قصص من الواقع

السمراء

بشرتي سمراء لي شفتان غليظتان
وأنف أفطس …يقول أبي لأمي أنه كان يوم سيئ يوم أتيت …لا أدري لماذا
منذ إدراكي الأول وأنا أرى أبي يستثمر في أختي الصغرى ..بشرتها تشبه بشرة عمتي أما أنا فأنا لم يعلم لي أحد يشبهه
جسدي أيضا لا يشبه جسد أختي هي جميلة والله يقدر الجمال
شعرها منساب على ظهرها تزينه أمي بالشرائط الملونة أما أنا فشعري الأجعد لا يناسبه سوى القِصَر . هكذا صرت أشبه أخي كثيرا في جسده و قصة شعره . أخي يخرج إلى حوش المنزل عاري الصدر فيمتدح أبي رجولته .
ربما كان الحسن في التعري ….فخرجت إلى حوش دارنا عارية
صفعني أبي بعنف وقال ” يا بنت الكلب …أومال لو حلوة كنتي هتعملي فينا ايه ”
في مدرستي الأبتدائية مُنعت من العروض المدرسية رغم لياقتي
ورغم نباهتي مُنعت أيضا من الإذاعة المدرسية …..أكتب المقدمة
فتربت علي كتفي معلمتي وتعطيها لإحدى الزميلات لتقرأها هي
فالله يُقدر الجمال
كبرنا أنا وأختي ….زارها الخُطاب تصلح للزواج أما أنا فلا أصلح لشئ …أي شئ هكذا كانت تقول أمي فتارة تقولها على سبيل المواساة وتارة أخرى بصيغة التشفي .
أخي لا يخرج أبدا من المنزل بصحبة إيانا ….أنا ولا هي
كان في ذلك نوعا من الإنصاف فهو لا يسير إلى جوارها خشية أن يتغزلها أحدهم فيثور
ولا يسير إلى جواري خشية أن يعيره أحدهم… فيثور
تزوجت أختي وأنجبت صغارا ….أحبهم
بينما حملت أنا دمامتي وشهادتي في الفنون الجميلة …ورحلت
يوم رحيلي ربت أبي على كتفي قائلا ” أنا مش قلقان عليكي إنتِ راجل ”
لم أعرف حينها هل أبتسم فرحا أم أبتسم ألما
بعضهم لا يفرق بين الابتسامتين
في بلاد الشُقر كنت مختلفة بشعري الأجعد وأنفي الأفطس شفتاي الغليظتين و سماري .
أعمل في أحد مراكز الفنون ….أرسم لوحات تشبهني سمراء فطساء مجعدة
أنحت تماثيل غير مكتملة لإناث تشبهني ….دميمات
في أحد المعارض كنت أقف أمام أحد منحوتاتي أحصي في تجاعيدها خيباتي
أمسك بهاتفي أتحدث إلى أختي التي تشكو لي هموم العيال وأبوهم
أنهيت المكالمة سريعا وعدت إلى تأملي
” يا الهي ما هذا الجمال ”
انجليزيته المطعمة بلكنة اسكندنافية جذبت انتباهي
نظرت إليه …..شاب في أواخر الثلاثينات …ممشوق حسن البنية والوجه …بشوش
” جميل …جميل ممتلئ بالجمال …والله يقدر الجمال ”
اندهشت لجملته الأخيرة فطالما ترددت على مسامعي ” الله يقدر الجمال ”
تكرر حضوره إلى معرضي المتواضع وتكرر نقاشنا حول نظرته إلى أعمالي التي يراها جميلة ثم يمتد بملاحظاته ليقول أنها جميلة كجمالي
فهل يسخر مني ؟
توالت اللقاءات تناولنا الغداء مرات واحتسينا القهوة
علمته من العربية بعض الكلمات المضحكة وعملني من النرويجية بعض الكلمات الأصعب
حتى وقفنا أمام أحد التماثيل التي مثلتني
” أي جمال تراه فيه ؟”
فقال ” أرى فيه ضعف الإنسان وكماله .أرى فيه قدرة الخالق على خلق الجمال في كل شئ و أي شئ …الله جميل ويقدر الجمال ”
طرقت برأسي فقال
” أنتِ أجمل منها أعرف أنها تشبهك لكنك أجمل ، تزوجيني …هل تتزوجيني ؟ ”
” أنا…. لماذا أنا ؟ ”
” أنت امرأة جميلة وأنا رجل مؤمن ….والله يقدر الجمال ”
ماجد عيسى #الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى