عام

أحبك بعدد الإختلافات التي بيننا

إسمي  ندى ، و الذي معي بالصورة زوجي أحمد، ألتقِطَت لنا هذه الصورة ليلة رأس السنة .

– إلتقينا منذُ تسع سنوات تقريباً ، في حفلة عيد ميلاد صديقةٌ مشتركة بيننا،

– كنّا مجرد زملاء في الجامعة من ثم أصبحنا أصدقاء، بعد سنة كنا نتحدث هاتفياً، بعد سنة أخرى ، طلب مني أن نخرج سوياً في موعد وصفهُ حينها:

” بذلك الذي يأتي مرة واحدة في العمر “

– جلسنا في زاوية إحدى المقاهي، التي أقفلت أبوابها الأن،

– تحدثنا عن أحوال الطقس، الموسيقى، الخريف، ولوحة ذات ألوان متداخلة معلقة بشكل مائل على إحدى جدران المقهى. أذكر أنه نظر إليها معلقاً:

“حياتي تشبهٌ كثيراً تلك اللوحة ، أنا قطرةٌ الطلاء السوداء في المنتصف ؛ يظن من ينظرٌ إلى اللوحة بأن يدٌ عابثةٌ قد أسقطتها لا فرشاة رسّام !

لكنني أكادُ أجزم بأن معنى اللوحةٌ يكمن هُنا ! “

– تناقشنا حول كتاب لدوستويفسكي قِيل أنه قد رفض نشره من قِبَل الرقابة، وعن تأهل السعودية لدوري كأس العالم هذا العام!

قبل رحيلي، أذكر أنه سحب منديلاً ورقياً من علبة المناديل أمامه، كتب شيء عليه ودسّه داخل يدي.

– لازلت إلى الأن أحفظ كلماته تلك عن ظهر غيب:

“أحبك عدد الإختلافات التي بيننا.. وعدد الأشياء التي تجمعنا أيضاً”

– اتفقنا على الزواج بعد سنتين من لقاءنا الأول، رفض الجميع فكرة زواجنا هذه بسبب اختلافاتنا، التي لم يكن لنا يدٌ فيها

– قالت لي صديقتي ساعة سماعها الخبر :

” هل إنتِ جادة ؟ أحمد و أنتِ مثل الليل و النهار … سمعتُ عن حب أعمى قلباً … لكن أن يعمي عيناً هذه جديدة! “

– أذكر أن والدتي قالت لي بينما كنت أجهز حقائبي قبل زواجي بليلة واحدة:

“عندما كنتِ صغيرة، كنت أجعلك تختارين ثيابك من الخزانة بمفردك، عندما أردتِ الأنتقال من الشعبة ” د” إلى الشعبة ” ب ” لأن أصدقائك جميعاً كانوا يدرسون هناك، لم أمانع ، و إن كنت أرى حينها بأن معلمتك أفضل بكثير من تلك التي تٌدرسٌ الشعبة التي رغبتِ في الانتقال إليها !

جاء إختيارك على كلية الفنون ، برغم من معدلك المرتفع ، و كان لكِ ما إخترتِ بالرغم من أنني لطالما حلمتُ بأن تكون لي إبنةٌ طبيبة مثل جميع الأمهات !

– لم يكون ذلك دلال مني إليكِ ، و لا رغبةٌ في تلبية جميع طلباتك و إن كانت كذلك في أمور غير هذه !

– كان لي غاية يتيمة و هي إصالك إلى هذه النقطة و أنتِ معتادةٌ على الإختيار بمفردك ، أن تختاري لكِ شريك حياة يناسب حياتك التي لا يعلمها أحدٌ مثلك !

– لا أعلم مالذي يعجبك في أحمد ، و ماهو الشيء الذي ترينه لوحدك دون البقية، لن أمانع زواجك ، سأثق بكِ ، و بقدرتك على الإختيار هذه المرة أيضاً … سأحب أحمد مع الوقت ، و أعتاد النظر إلى تلك الإختلافات التي أراها الأن دون أن أرسم مقارنات بينكما..

سكتت قليلاً مثبتهٌ نظرها على الأرض، وأردفت:

” إذا لم تُوفّقي.. هذه غرفتك،

و هذا بيتك..

رفعت ذراعها تطوقني بشدة

و هذا حضن أمك ! “

– تزوجنا صيف العام ذاته ، إستأجرنا شقة متواضعة في حي “السليمانية” ، كنا مثل جميع الأزواج الجدد نختلف حول لون الجدران ، مكان السرير داخل حجرة النوم ، نوع الموسيقى التي تروقنا صباحاً، اتفقنا على صوت “مارسيل خليفة”، فبات في البيت أنا وأحمد ومارسيل ثالثنا !

– مكان المكتبة هو الآخر احتاج إلى جلسة طويلة حتى نتفق عليه.. اتفقنا في النهاية على ألا يكون بيننا خلافات سوى حول هذه الأشياء التافهة كما يصفها أحمد!

رزقنا بــ ” خولة ” بعد عام من زواجنا ، خُلقت على صورةٌ مطابقةٌ مني

قال لي أحمد حينها ممازحاً :

” تخطيناها هذه المرة “

– فرحت والدتي كثيراً بخولة ، قُلت لها ذات ليلة بينما كانت تمسك بالصغيرة بين ذراعيها تحاول أن تٌنَيِمها : ستحبين ما أحببته في أحمد من خلال حفيدتك المدللة ؛ الطفلة كأبيها و إن كانت تحمل وجه أمها!

– قد يكون “أحمد” غريب في بلدي ، لكنهُ إبن بلد أخرى أنا غريبة عنها ، ذوقنا في الموسيقى مختلف، وفي الطعام أيضاً ، واجهنا صعوبات من النوع الثقيل إن صح التعبير لكننا استطعنا أن نتخطاها سوياً.

أسأل نفسي بعد مرور عام جديد لنا سوياً:

” هل وفقت في زواجي حقاً! “

– قد أكون و “أحمد” مختلفين في الأشياء الظاهرية ، لكنه يشبه روحي في حاجتها لقلب يحتضنها، و تسكنه !

– لا أنكر بأننا تغيرنا قليلاً بل كثيراً بعد سنوات زواجنا الأربع، لم يعد يضع وردة بيضاء تحت وسادتي سوى في المناسبات ، لكنه لازال يذكر لوني المفضل و يهتم بدقه لتفاصيلي التي كان من الممكن التغاضي عنها

توقفتُ بدوري عن إرسال بريد صوتي له، يغني الصوت داخله أغنية جديدة كل مساء

لم أعد أركض صباحاً لأضع مستحضرات التجميل قبل أن يستيقظ ليراني أشبه النساء في شاشات التلفاز !

باتت حياتنا تتخذ مجرى أخر مع الأيام كشف لي عن جوانب جديدة منه لم ألتمسها من قبل،” أحمد” الزوج و الأب معاً .

– أصبح أحمد هو الروح التي تشاركني مسؤولياتي التي باتت تزداد مع الأيام ، واليد التي تٌمسك بيدي كلما بدت الطريق مظلمة أمامي، و هو القلب الذي يحتضنني كوطن صغير كلما شعرت بحاجة للبكاء كطفلة، أصبحت بحاجة إلى “أحمد” أكثر من الورود البيضاء و مقاطع الموسيقى ،

إلى ” أحمد” زميل الدراسة ، الصديق ، الأب ، الزوج و الحبيب ، شريك حياتي و الجزء المكمل لجميع الأشياء التي تنقصني..

إلى من يقول لكل الأشياء الباهتة التي تطفئ النور بداخلي :

“أحبك، بعدد الإختلافات التي بيننا.. و عدد الأشياء التي تجمعنا”.

وسيم #وقائع_الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى