قطط المستشفى
خربشات على جدار الذاكرة:
هي سلسلة من قصص واقعية عاشها أحد الأطباء في حياته المهنية , واليوم يرويها لنا بكل حذافيرها , من الواقع المعاش الذي تتكرر أحداثه في مجتمعاتنا…
حالة المستشفيات
مواقف صادفتني خلال فترة دراستي في كلية الطب , و فيما تلى ذلك أثناء مزاولة مهنتي كطبيب ، بدأً من عيادتي الريفية إلى المشافي التي عملت بها ، في سوريا و المراكز التي عملت ومازلت في المملكة العربية السعودية .
مواقف صادفتها و عايشتها و حالات سمعت بها: بعضها يحمل الطرافة و أخرى مؤلمة …
القطط في أروقة المستشفى
خلال فترة إختصاصي بقسم التشخيص الشعاعي في مستشفى ريف دمشق التخصصي ، وأينما مشيت – حال الكثير من المشافي الحكومية للأسف كنّت ألاحظ وجود الكثير من القطط ,التي كثرت شكاوى الأطباء والمرضى حول وجودها ، في أروقة المشفى وغرفها ، في الحديقة الكبيرة – المهملة – للمستشفى التي تنتصب بها أشجار الصنوبر والسرو التي قد تكون أقدم من المستشفى نفسه لضخامتها .
فمستشفى ريف دمشق التخصصي يقع في قلب مدينة ” دوما ” التي لا تبعد عّن أقدم عاصمة مأهولة في العالم إلا 15 كيلومتر ، فهي – أي دوما – قلب غوطة دمشق ورئتها .
نعود للقطط التي كانت تختال في ممرات المستشفى وغرفها ، تستلقي مسترخية أحياناً تحت أسرة المرضى ، وتراها في كل أقسامها ، ربما تنتظر أن تقتات على ما ينتج عن غرف العمليات ، التي يتم التخلص منها بطريقة صحية بحتة آنذاك ، وفق أعلى المعايير العالمية ، في حاويات القمامة وكأنها نفايات عادية ، وكانت تنتظر ما يجود بها المرضى والمراجعين من وجبات المرضى ، المدروسة بعناية ، وقد أعدت دون نكهة أو عناية أو دراسة بما يتلاءم مع إحتياجات المريض .
وتكون أكثر سعادة حين تنال حصة من الوجبات الغنية الشهية ، التي يحضرها ، أهالي المرضى وزوارهم ، وتكون كاملة الدسم دون علم الأطباء المغلوبين على أمرهم ، والذين يتغاضون عّن ذلك لعلمهم بنوعية طعام المستشفى .
وحين تكاثرت هذه القطط ، ربما بفعل نجاح قسم الإنجاب المساعد ( أطفال الأنانيب ) الذي شاهدت لوحته التي تجاوزت الأمتار الثلاثة فوقه ، و الأخرى الرخامية المتقنة على بوابته ، والذي تطالع عيون مراجعي المستشفى برواحهم ومجيئهم , وقد صدئت أقفاله ولَم تجر فيه طوال العقد السابق لإلتحاقي بالمستشفى, والعقد التالي له عملية واحدة على المرضى ، لأنه ببساطة إسم فقط ، دون كادر أو معدات ، فقد تم شراء المعدات على الورق فقط ، وربما كانوا بإنتظار تقديم اللوائح الجديدة لشراء معدات جديدة .
إجماع الأطباء للتخلص من القطط
أجدني أبتعد عما أكتب كل مرة ، فقد قرر بعض الأطباء في قسم الإقامة أن يستفيدوا من كمية الأدوية المستخدمة في التخدير – منتهية الصلاحية – لحل مشكلة القطط ، فاحضروا كمية من اللحم من المسؤول عن مطبخ المستشفى ، والذي إختار اللحوم من السوق ، فوزع أفضلها على من يهمه الأمر ، وأبقى الأسوأ منها للطبخ .
خلط الأطباء اللحم مع المخدر ووزعوه هنا وهناك ، حتى أتت القطط عليه ، وبدأت تترنح في أروقة المستشفى ، ثم تم جمعها ، وإبعادها عن المستشفى .
-٠ لا تقتصر هذه الصورة الهزلية للمستشفى المذكور بعينه ، بل للكثير من مستشفيات القطاع الحكومي في وطننا الثري ، الذي يهدر ثرواته .
لذلك تجد أن ساستنا حينما يمرضوا يسارعون للسفر لخارج الوطن لتلقي علاجهم ، لأنهم يعلمون ما يجري في الصروح الصحية التي بنوها على شفا جرف هار فانقضّت .
سليمان_عمر **الشارع العربي**