تضحية الأمهات

#قصة_حقيقية مليئة بالمشاعر عن أم لم تعرف في حياتها سوى التضحية.
القصة وردت في عدد مجلة المختار (النسخة العربية من مجلة ريدرز دايجست الأمريكية) عام 1964م.
يقول راوي القصة..:
مؤكد أنك سمعت الكثير عن أبناء يخدعون أمهاتهم، لكن لعلك لم تسمع قط عن أم تخدع أبناءها. أما أنا فأعرف أماً فعلت ذلك. إنها أمي. على أننا اكتشفنا حقيقة أمرها في النهاية.
لقد نشأنا خلال الأزمة الاقتصادية العالمية الطاحنة. وقد لا يدرك أطفال هده الأيام ما تعنيه تلك الازمة .. إنها تعنى لا أحذية. وطعاماً ضئيلاً جدًا .. ومأوى لا يكاد يكفى، مع احتمال قوى بأن الاسرة كلها سيلقى بها فوق الأرصفة . كانت تلك هي الأزمة. ومما زاد من وقعها علينا أن أبى كان قد هجرنا.
عملت أمي خلال تلك السنوات العصيبة على توفير الطعام والكساء والمأوى والدراسة لنا نحن أبنائها الاربعة، حتى شاب شعرها قبل أن تبلغ الخامسة والثلاثين ولم تستمتع أمي بثياب جميلة أو بأوقات طيبة قط وعندما كبرنا نحن الإخوة الأربعة، استطعنا أن نربح ما يكفى لأن نجمع مبلغاً لا بأس به ونرسله لأمنا كل أسبوع عساها تبدل أيام ضنكها بأيام رغدة ما بقى من سنواتها بعد أن جاوزت الخمسين.
ولكننا شعرنا جميعاً بنوع من خيبة الأمل في الحياة الجديدة لأمنا، فهي لم تنتقل إلى مسكن جديد، قائلة إنها مستريحة تماماً في مسكنها القديم، ولم تلتمس خادمة تعاونها بحجة أنها تحب عمل البيت . ولم تشتر لنفسها أية ثياب جميلة.
وظللنا نرسل لها نفس الشيك كل أسبوع، وظننا نحن الأربعة أنها لابد قد ادخرت مبلغاً كبيراً من المال طوال العشرين سنة التي مرت حتى وفاتها لأنها لم تكن تنفق إلا قدراً ضئيلاً جداً منه كل أسبوع.
ولكننا عندماً بحثنا في أوراقها اكتشفنا أن أمي كانت مفلسة! لقد كانت تنفق تلك الشيكات بمجرد وصولها. أتدرون على أي شيء كانت تنفقها؟
لقد اتفقت أمي سراً، بمجرد أن كبرنا ولم نعد عبئاً على كاهلها، مع منظمة لغوث اللاجئين ليرسلوا إليها بأربعة من يتامى الحرب الأوربيين واستأجرت لهم مسكناً بجوارها وظلت تواليهم طوال العشرين سنة، بالرعاية والتعليم والتمريض ، وخلال مشكلات المراهقة، وزوجت اثنين منهم.
إنها لم تخبرنا مطلقاً بأمر هؤلاء الأبناء الجدد. وأظن أنها كانت تخشى ألا نوافق على أن تخوض نفس المتاعب التي خاضتها معنا مرة أخرى. وأنا أيضاً لست على يقين من أننا كنا سنوافق ،
وها أنت ذا ترى أنه ليس من اليسير على أبناء نشأوا وهم يرون أمهاتهم يرهقن أنفسهن نصف حياتهن لتربيتهم، أن يفهموا أن الأمومة حالة يستعصى علاجها.
#وقائع_الشارع_العربي