عام

ذكاء أبو سليمان

يُروى أن ثعلباً يُدعى أبو سليمان، وصديقه ذئب يُدعى أبو حسين.
 
لكن هذه الصداقة لم تكن متكافئة، إذ كان أبو حسين متسلطاً على أبو سليمان، يعامله كطرطور “روح ولاك، تع ولاك” ويأخذ منه كل شيء حتى في الصيد. فإذا اصطادا معاً، لم يُسمح لأبي سليمان بالأكل إلا بعد أن يشبع أبو حسين، وإن تبقى شيء.
 
هذا الحال أثار في قلب أبي سليمان نقمة مكبوتة على صديقه المتسلط، وبدأ يخطط للإيقاع به. في مرحلة ما،
مرّا معاً بفترة شديدة القسوة، لم يتمكنا فيها من صيد أي شيء لعدة أيام متوالية. فبلغ منهما الجوع مبلغه، فقرر أبو سليمان ذات صباح الابتعاد قليلاً عن أبو حسين ليبحث عن شيء يسد به رمقه.
وأثناء تجوله في إحدى كروم العنب، لمح قطعة لحم مُلقاة على الأرض. أدرك بفطنته أن قطعة اللحم لم تُترك عبثاً، بل كان هناك فخ منصوب تحتها بذكاء.
 
خطرت في باله فكرة ماكرة، فعاد سريعاً إلى أبو حسين وقال له:
 
“حلفت عليك بالله يا أبا حسين ألا ترد دعوتي. تعال، أنت مدعوٌ عندي لتناول الطعام.”
 
نظر أبو حسين إلى أبو سليمان بدهشة، وتساءل في نفسه: “منذ متى صار أبو سليمان سخياً؟!” لكنه كان قد بلغ من الجوع مبلغاً عظيماً، ولم يستطع مقاومة الدعوة.
 
وصل الإثنان إلى كرم العنب، وأشار أبو سليمان إلى قطعة اللحم قائلاً:
 
“دونك الطعام يا صديقي!”
 
كعادته، هجم أبو حسين دون تفكير. وفي لحظة غفلة، أمسك به الفخ الحديدي وأطبق على قدمه، بينما طارت قطعة اللحم بعيداً عنه.
 
تقدّم أبو سليمان بخطى ثابتة نحو قطعة اللحم، وبدأ يأكل بنهم ودون اكتراث لما يحدث خلفه. وعندما فرغ من الأكل تماماً، مرّ بجانب أبو حسين، الذي كان غارقاً في دمه وينظر إليه بعينين متوسلتين.
 
فجأة، سأل أبو حسين بصوت خافت:
 
“يا أبا سليمان، متى القيامة؟”
 
ابتسم أبو سليمان بسخرية وقال:
 
” قيامة الناس، فتلك في علم ربهم. أما قيامتك، فستكون حين يأتي صاحب الكرم”
 
وتركه وحيداً ليلقى مصيره المحتوم.
 
#في هذه الحياة، لا تطغَ على من حولك وتستهين بذكائهم، فحتى أكثر الأصدقاء ولاءًا قد ينقلبون إذا ما استُهلك صبرهم.
الطغيان يعمي البصيرة، ويجعل صاحبه فريسة لغبائه قبل أي شيء آخر.
وفي النهاية، لا يُنقذ الطاغية من مصيره حتى دهاء من كان يُظنه طوع بنانه.
 
#مختارات_الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى