قصص من الواقع

كيف أقتل الشك باليقين؟

#قصة اليوم تتطلب رأي كل قارىء لإنقاذ شاب من هواجس حطمت حياته 

اسمي رامي، عمري الآن 28 سنة.
لكن حكايتي بدأت قبل 9 سنوات، يوم اكتشفت السرّ الذي كاد يدفعني للجنون… ويقلب حياتي رأسًا على عقب.

كانت والدتي بحاجة لعملية جراحية خطيرة، فقررت التبرع لها بالدم. تبرعت أنا، وأختاي نيفين ونهاد.
وبما أنني كنت أدرس وقتها في كلية العلوم، كنت أعرف جيدًا فصيلة دمي. سبق أن تبرعت بها لزميلة لي في الجامعة، وكانت O.

لكن ما إن فحص الطبيب عيناتنا، حتى لاحظت شيئًا غريبًا… فصيلة دمي لا تتوافق إطلاقًا مع فصيلة والدتي أو شقيقتيّ، وكلهم من فصيلة A.

لم أقلق كثيرًا في البداية، قلت لنفسي: ربما تكون الفصيلة وراثية من والدي.
لكن بعد عودتي للمنزل، دفعني الفضول… أو ربما القلق، إلى البحث عن بطاقته الشخصية القديمة — فقد توفي منذ سنوات، وكان في تلك البطاقات يُدوّن نوع الفصيلة.

وعندما قرأتها، شعرت أن الأرض تميد بي: فصيلة والدي AB… وأنا O!
علميًا، هذا مستحيل.

لا يمكن أبدًا أن يُنجب رجل فصيلته AB ولدًا فصيلته O، حتى وإن كانت والدتي فصيلتها A.
هذا يعني ببساطة… أنني لست ابن ذلك الرجل.

أمسكني الذهول. خفت. ارتبكت.
هل أنا ابن رجل آخر؟
هل والدتي، التي نشأتُ أراها مثالًا للخلق والإستقامة، خانت زوجها؟
أم أنني… لقيط؟! تم تبنّيي من ملجأ؟!

في كل الإحتمالات… أنا ابن حرام.

ومن هنا بدأ الكابوس الحقيقي…

توقفت عن زيارة أمي في المستشفى. تهربت من الإجابة حين سألتني أختي عن غيابي.
وحين عادت أمي إلى البيت، لم أستطع النظر في عينيها. لم أعد أراها كما كانت.

ثم جاء ذلك اليوم…
جلستُ أمامها وسألتها مباشرة:

“أنا عايز أعرف… أنا مين؟”
تفاجأت، وابتسمت:
“رامي ابني، هو في غيرك؟”

“لا أقصد الإسم… أنا عايز أعرف مين أبويا الحقيقي.”

تحولت نظرتها من الهدوء إلى الصدمة:

“يعني إيه؟!”
“أقصد إن منير مش أبويا.”

بدأت تصرخ، ثم صفعتني.
لم أقاوم. كنت كمن يتلقى الصفعة من الحياة ذاتها، لا من يد أمه.

تظاهرتُ بالتماسك، وقلت لها:

“أنا مش بهزر… فصيلة دمي لا يمكن تطلع من فصيلة بابا. واللي يعرف في العلوم هيأكد كلامي.”

صرخت:

“أنا أمك… وأبوك هو منير. عمري ما غلطت مع راجل تاني. ولو مش مصدق، شوف صورتك وصورته… نفس العيون، نفس الشعر!”

بصيت في الصورة. فعلاً في شبه… لكن الشبه مش دليل.
والعلم، وقتها، كان واضح.

قالت لي:

“يمكن البطاقة فيها غلط… زمان مكانوش بيدققوا قوي.”

لكنني لم أعد أبحث عن أعذار… أنا كنت أبحث عن حقيقة.
وبين صمتها ودموعها، لم أجد أي اعتراف، ولا أي تفسير شافٍ.

وفي النهاية، تركت البيت.
أخذت شقة صغيرة، وقطعت علاقتي بالجميع. لا أحد يعرف السبب… سوى أنا وهي.

ومرّت السنوات… تسع سنوات وأنا أعيش بهذا السر.
لا أحب، لا أتزوج، لا أثق.
أحمل داخلي ثقبًا أسود، يأكل كل نور، ويبتلع كل يقين.

لا أحد يعلم ما أشعر به…
حتى قرأت عن فقرة “الإعترافات”، وقلت في نفسي:
ربما، فقط ربما… لو كتبت قصتي… أجد شخصًا يصدقني.
أو يريحني… أو يقول لي كلمة واحدة:
“أنت مش لوحدك.”

مرّت تسع سنوات، ولا زلت أستيقظ كل يوم على نفس السؤال:
“أنا ابن مين؟”

لم أعد أبحث في الصور، ولا أحاول تحليل الملامح.
أصبحت أبحث في داخلي… في شعوري تجاه امرأة لا أعرف إن كانت أمي فعلًا، أم مجرد حائط صدّ عن حقيقة مؤلمة.

هل ظلمتها؟
هل ظلمت نفسي؟
هل كانت الحقيقة أبسط مما تخيّلت؟
أم أنني كنت أهرب منها لأنني خائف من مواجهتها كاملة؟

أحيانًا، أجلس في ظلام غرفتي، أتذكر صوتها وهي تقول:

“أنا أمك يا رامي… عمري ما لمسني  حدا غير أبوك.”

وأسمع بداخلي صوتًا آخر، همسًا مؤلمًا، يردّ عليّ:

“لكن العلم بيقول غير كده…”

أنا الآن رجل في أواخر العشرينات، لم يعد الشك وحده من ينهكني… بل الوقت الذي يضيع، والعمر الذي يمضي بلا يقين.

ترددت كثيرًا في إرسال قصتي، لكنني أكتبها الآن لا لأبحث عن تعاطف، بل لأتنفّس… لأحاول أن أعيش ولو قليلًا خارج دائرة الشك.

ربما هناك من مرّ بتجربة مشابهة.
ربما هناك من يستطيع أن يدلني على خيط، أو يعطيني كلمة تهدّئ هذا الإعصار بداخلي.

وربما… إن قرأت أمي هذا النص،
تفهم كم أحتاج للحقيقة أكثر من أي شيء.

“الحقيقة، حتى لو كانت موجعة… أرحم من حياة كاملة على أرض من رمل.”

هل أغفر؟
هل أعود؟
أم أواصل الطريق وحدي… كما بدأت؟

لا أعرف.
لكنني أعرف شيئًا واحدًا فقط:

أنا… لم أعد كما كنت.ولا شيء فيّ كما كان.. لأنني لا أعرف كيف أقتل الشك باليقين ؟

فما رأيكم ؟؟؟

أم هارون    #وقائع_الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى