قصص من الواقع

وداعا ياصاحبي

في عام 1989 فتحت ورشه صيانه سيارات صغيرة في حي سكني في مدينه بنها محافظه القليوبيه .
وفي يوم كنت قاعد قدام الورشه ….كان بيلعب أمامها اربع أطفال بالعجل …
لكن ما أثار انتباهي  هو طفل صغير اسمراني ورفيع عنده حوالي خمس سنين واسمه محمد واقف يتفرج على العيال
ومبسوط جدا ومبتسم ومش معاه عجله .. محدش من أطفال الحي مهتم بيه ولا بيلعب معاه .. وهو كل الى بيعمله يجري
ورا كل عيل شويه .. كلمت الأطفال انو حد يديله العجله يركبها شويه لكن الكل رفض ..
بعد شويه كلهم راحو للبقال إلى على ناصيه الشارع يشتروا منه حلويات وشبيسي ..

لقيت محمد راح وراهم وواقف على باب المحل يتفرج عليهم ..وسرحان مع نفسه والغريبه برضو مبسوط ومبتسم ..
جاني تلفون وانشغلت دقايق عن محمد ..  فلما بصيت  عليه لقيته بيجمع الأكياس الفاضيه بتاعت الشبسي وبيفتحها ويشم فيها وبيلحسها وبيلم الفتات الذي فيها والضحكة ماليه وشه ومن قلبه .. وفرحان…
قمت بسرعه ونادهت عليه جاني بسرعه وقالي أيوه يا عمو .. مع اني مش بحب كلمه عمو دي خالص ..

المهم قلتله تعال نروح نشتري حاجه من البقال مع بعض ..
الولد كان مش مصدق وانا ماسك ايده كان حرفيا طاير من على الأرض .. دخلنا المحل وقلتله إختار الى انت عايزه ..
وقف محتار مش عارف يختار ايه .. المهم ساعدته واختار اكبر كيس كلبز وشوية بسكويت وحلويات بسيطه مصاصات ولبان .. مش قادر اوصف فرحته واستغرابه .. وهو بيقول:
الحجات ديليا انا ؟؟ الحجات دي ليا لوحدي ؟؟
تمنيت لو كان وقتها عندي كاميرا أصور فرحته وسعادته بذاك الشيء البسيط ..
رجعنا الورشه وعشت معاه احلى دقايق وهو بياكل الحاجات البسيطه دي .. وبعدين لقيته بيقولي :

اعملك أي حاجه ؟
قلتله : أي حاجه زي ايه ؟ ..

قالي:اكنسلك الورشه ..
قلتله ماشي ..
مسك المقشه وحاول يكنس وينظف ومش عارف .
قلتله خلاص كده حلو كفايه كده ..
قالي طيب اعملك شاي ؟؟
قلتله وماله موافق ..
وحصل بعدها ما جعلني أتحسر مع نفسي وألومها على عدم انتباهي لما سيحصل ..
الولد راح لبيتهم عشان يجيب لي شاي …..
شوي لقيت راجل كبير في السن لابس عبايه وبيقولي:
معلش يا مهندس ماعندناش الشاي والسكر وبيعتذر بشده .. لكن عندنا حلبة وينسون ..
قلتله: ألف شكر يا حج دا انا بهزر مع محمد ..
أبو محمد كان حارس العماره وكانوا ناس  على قد حالهم ..
كل يوم محمد يجي يقعد معايا شويه ويحكيلي ويضحكني ضحك من قلبي .. وبقى يقولي :
يا صاحبي .. مش احنا أصحاب ؟
أقوله ايوه .. واشتريله شويه الحلويات .. وافرح بفرحته ..
كان نفسي اشتريله عجله لكن مكنش معايا فلوس تكمل حتى ثمن عجله مستعمله .
لحد ما في يوم اضطريت إني أسيب الورشه عشان بعنا البيت وانتقلنا لمكان بعيد .. إقفال الورشه كان صعب علي جدا جدا..
.. وفي اليوم إلي بلم فيه العده لقيت محمد صاحبي الصغير واقف ورايا وبيقولي :
انت حتمشي؟ ..
قلتله ايوه ..
قالي ليه دا هنا حلو .. ؟
قلتله معلش غصب عني .. لقيته بيقولي :
مش احنا أصحاب ..؟
قلتله ايوه اكيد ..
قالي: في صاحب بيسيب صاحبه؟؟
في اللحظه ذي بكيت زي الأطفال .. ومكنتش متخيل أن الطفل الصغير دا يقول الكلام دا ..
انتقلنا لمدينه الشروق .. ومرت سنين كتير .. وسافرت للخليج للعمل هناك ولسه مش قادر انسى صاحبي الصغير محمد
الي بيضحك وراضي ومبسوط بكل حاجه .. نزلت إجازه ورحت لنفس المكان أسال عليه وكان معايا فلوس اشتريله
العجله إلى كان بيحلم بيها ولكن لم أجده لأنهم هم كمان مشيو .. ومحدش يعرف عنهم حاجة…
إشتقت لك يا صاحبي… يا أطيب قلب بالعالم…

محمد جلال #الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى