قصص من الواقع

إنها أمي يا سادة ..

في سنة 1987كنت في الصف الثالث ابتدائي خرجت من المدرسة كعادتي أنتظر أبي ليأخذني إلى  البيت ..

إنتظرت طويلا ولم يأت .. كل الطلاب ذهبوا ولم يتبق غيري .. 

حارس المدرسة أغلق الأبواب .. وبدأت أشعر بالقلق والضعف . لا أعرف طريق البيت ..ولا يوجد لدينا تلفون ارضي ..

اذكر ان مدرسي في الصف انتظر معي كثيرا واجلسني معه في سيارته ليقيني حرارة الصيف الفظيعة ..
إنتظر معي طويلا ثم تركني وذهب ..

ماذا حدث ؟؟ ماذا بك يا ابي ؟؟ تعبت .. وعطشت جداا .. وبدأ الجوع يعصر بطني .. لايوجد مكان ظل أحتمي فيه .

اتخيل غرفتي وواجباتي المدرسية .. أريد أن أنجزها وأكمل بقيه يومي .. وأتناول طعام أمي ..

أمي ؟ أين انت يا أمي الآن ؟..

الحي فاضي تمام في هذا الوقت وأنا جالس وحدي على الأرض والحر والتراب يعصف بي ..

أتذكر انني لم ابك في ذلك اليوم .. ولكني كنت أشعر بضعف شديد ..

وفجأة على  مد بصري حيث السراب ..رأيت خيال امراءه ترتدي عبايه سوداء تتجه نحوي مسرعة وتلوح لي  بيدها ..

ياإلهي  إنـــــــها أمـــــــي ؟

جريت عليها أخدتني في حضنها كطوق نجاه .. وكانت تحمل لي عصير لمون بارد .. وسندوتشات .. واخدتني تحت عبائتها .. في لحظة تحولت الدنيا إلى ربيع لا أشعر بالحر ولا العطش ولا الجوع ولا القلق بل الأمان التام ..

إنها أمي يا سادة  ..

ذهبنا إلى البيت معا وحفظتني طريق البيت وقالتلي أنت راجل صغير وتقدر تيجي البيت لوحدك حتى لو بعيد مش مشكله عشان تبقى قوي .. وعشان اذا بابا تاخر عليك او انا مقدرتش اجيلك .. كانت اسعد لحظات في حياتي .. وانا اعتمد على نفسي .. لم ولن انسى هذا اليوم .. ومع كل صيف و حرارة الجو اتذكر عبائة امي وعصيرها واكلها ..

سألت أمي:

كيف عرفت أنني في مشكلة وأن أبي لم يأت ليأخذني ؟ من اتصل بك ؟ مين قالك تجيني ؟؟

أجابتني:

إنه قلب الأم يا ابني .. حسيت بك وسمعت صوتك وشفتك قدام عيني ..

في المقابل كان أبي يجوب الشوارع بحثا عني بعدما تأخره  اجتماع طارىء في عمله .. وكان خائفا أن يعود للبيت بدوني  

أو حتى يسأل أمي عني..
وكان تصرف أمي حكيما جدا حين  قالت لي اكيد  أن أبوك الآن يبحث عنك  الآن ..إننتظره في الشارع  أمام باب البيت حتى يراك بخير .. وفعلا  ذاك ما كان مر من أمام البيت ولوحت له  فنزل من السيارة وحضنني بحب لم أنسه أبدا .. إحتضان حب الأب الذي وجد ابنه بعد غياب..

شكرا لكل أم عظيمة تمتلك قلبا يسع الكرة الأرضية بحكمتها وحبها …ولكل أب يضحي من أجل أسرته 

وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا 

محمد جلال  #الشارع_العربي


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى