قصص من الواقع

قصة السر

لك أن تختار يا أنا يا أمك؟ واحدة منا فقط من ستبقى في هذا المنزل ،إما أن تأخدها إلى دار المسنين أو أرحل عنك رفقة أولادي ،وابحث بعد ذلك عن من يخدمك.
 
لكن ما الذي أجج غضبك؟ ولماذا تضعينني في هذا الموقف الصعب؟
 
للمرة المليون سأقولها لك لن أفني زهرة شبابي في خدمة امرأة ضريرة لا تصلح لشيء.
 
اخفضي صوتك حتى لا تسمع قبح قولك،فتلك المرأة الضريرة هي أمي التي وعدتني قبل زواجنا أن تعتبيرها أما ثانية.
 
لا حاجة لخفض صوتي هي تعلم كل شيء أخبرتك به. وقد جمعت كل أغراضها لكي ننتهي من هذا الكابوس ونعيش حياتنا.
 
دون أن أنبس ببنت شفة ،عرجت إلى غرفة أمي الضريرة، وجدتها جالسة تمسك سباحتها بيدها، وتمرر عقيقها بين أصابعها بسرعة فائقة على غير عادتها. وقد أدركت أنها بذلك إنما تحاول أن تخفي ارتباكها ورعشتها،بيد أنها سمعت حوارنا الذي جرى لوهلة وتتظاهر بأنها لم تسمع شيئا رغبة منها أن تمر هاته العاصفة الهوجاء بردا وسلاما.انحنيت أقبل قدميها فأبكي على صدرها الحنون ،وهي تمرر أصابعها بين خصلات شعري تهدئ من روعتي.
 
استكنت روحي بعدها وتلطفت،فخرجت إلى الردهة وزوجتي تلحقني صائحة :إذن ماذا قررت؟
 
ببرودة دم وسكينة أجابتها: يمكنك أن تغادري المنزل إن شئت.
 
نظرت إلي حانقة: سأرحل إلى أهلي مع أولادي.
 
إلتف حولي الأولاد يبكون صائحين: أمي لن نذهب معك سنبقى رفقة والدنا.
 
صرخت في وجوههم :تبا لكم سأغادركم جميعا وأنتهي من حياة البؤس.
 
في تلك اللحظة انتبهت إلى أن أمي الضريرة قادمة إلينا وهي تمسح الفضاء بيديها محاولة أن لا يعوقها عائق، انطلقت إليها أمسكت بيدها فخاطبتني: لا تدعها تذهب يا إبني فحق لها أن تقنط فقد أثقلت عليكم ويجب أن أغادركم.
 
هب الصغار إليها ممسكين بتلابيب ثيابها. يقولون بصوت واحد :لا يا جدتي لن نرضى بذلك.
 
دمعت عيناي لذلك المنظر وأنا أرى أبنائي يقفون وقفة الحق ويطأون على عواطفهم،لا يخافون لومة لائم,فشعرت حينها بنوع من الشفقة حيالهم، رميت بأخر محاولة عسى أن تؤت أكلها ولعلي أثنيها عن تركنا ،فدمدت قائلا:
 
إذا كانت خدمة والدتي تزعجك فسأتدبر أمر خادمة تسهر عليها، الله وحده يعلم حاجتنا لك فلتبقي بالبيت .
 
قلت لك لا أريدها أن تعيش معي تحت سقف واحد.
 
ما هي إلا دقائق معدودات جمعت أغراضها وغادرتنا.
 
الحق يقال أن فراقها كان أمرا عسيرا،الشيء الوحيد الذي يجبر خاطري هو أنني لم أطردها وتمسكت بها إلى آخر رمق ,لكن هي حرة اختارت طريقها التي بدت لها مناسبة.
 
في تلك الليلة إجتمعت بأبنائي في غرفة أم العزيزة مخاطبا إياهم: أرى يا أبنائي اليوم أنه قد حان الوقت كي أكشف لكم سرا كان طي الكتمان.
 
بعيون مستطلعة ومتشوقة لمعرفة السر راقبوني وأنا أقوم بغتة بعيون دامعة أنحني مقبلا رأس والدتي:إن جدتكم الضريرة هي من وهبتني هاتان العينان فقد سبق وأن تعرضت لحادثة في صباي أسفرت عن فقداني حاسة البصر ،فأبت أمي أن تتركني أفني عمري على هذه الحال ،لقد وهبتني قرنيتا عيناها حتى أرى النور بينما ترضخ هي تحت وطأة الظلام،وقد إستحلفتني أن أكتم هذا السر عن أمكم رأبا لنار الغيرة، يا أبنائي فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
 
#مختارات_الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى