رياض فكر

السنة الهجرية

ما من شكٍّ في أن التقويم الهجري هو هُوية أُمة، فالعبادات الإسلامية ترتبط بهذا التاريخ؛ حيث نجد الحجَّ أشهرًا معلومات، وهي هجرية، والصيام في رمضان، وهو شهر هجري، والزكاة لا بد فيها أن يحول الحول الهجري، وعِدَّة المُطلقة بالتاريخ الهجري، وغير ذلك، وتاريخ حضارة امتدَّت عبر ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، لم نكن نؤرِّخ فيها إلا بهذا التاريخ، ومن هنا ارتبطتْ أمجادُنا وأيَّامنا ومآثِرنا بهذا التاريخ، الذي تحوَّلْنا عنه إلى غيره؛ نتيجةً لأحوالنا وأوضاعنا، كأثرٍ من آثار الغزو الفكري الذي امتدَّ في فراغنا.

ولا يحسبنَّ أحد أن المسألة هامشيَّة أو فرعية، بحيث يُعَدُّ الحديث عنها نوعًا من اللهو، أو خوضًا في الباطل، أو ضربًا من ضروب التَّرف الفكري، في الوقت الذي تعاني فيه الأمة من دماءٍ تَسيل، وأرواح تُزهَق، وبيوت تُهدم، وأعراض تُنتهك، وغير ذلك مما يمكن أن نهوِّن به من هذا الأمر، فقد استمرَّت المؤامرة لطمْس التاريخ الهجري وإزالته، وتجهيل الشعوب الإسلاميَّة به قرونًا متوالية، ففي القرن الثاني عشر الهجري الموافق للثامن عشر الميلادي، عندما أرادت الدولة العثمانيَّة تحديث جيشها وسلاحها، طلبتْ مساعدة الدول الأوروبيَّة العظمى (فرنسا وألمانيا وإنجلترا… إلخ)، فوافقوا على مساعدتها بشروط؛ منها: إلغاء التقويم الهجري في الدولة العثمانيَّة، فرضَخت لضغوطهم، وفي القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي عندما أراد خديوي مصر أن يَقترض مبلغًا من الذهب من إنجلترا وفرنسا؛ لتغطية مصاريف فتح قناة السويس، اشترطتَا عليه ستة شروط؛ منها: إلغاء التقويم الهجري في مصر، فتمَّ إلغاؤه سنة: 1292هـ – 1875م، واستبدال التقويم القبطي والميلادي به.

فلن تفيقَ أُمتنا إلا إذا استضاءت بهذا التاريخ العريق، واستحضرتْ كل أيام السنة الهجريَّة، ونظرت في أحداثها نظَرَ المتأمِّل المتفحِّص الواعي، الذي يُحيي التاريخ، ثم يعبُر إلى واقعه المعاصر بدروس تُضيء دُروبَه، وتُمهِّد له السبيل؛ من أجل هذا وجَدنا المؤرخين والحكماء يقولون: “مَن وعى التاريخ في صدره، أضاف أعمارًا إلى عمره، ومَن لَم يَعِ التاريخ في صدره، لم يدرِ حُلو العيش من مُرِّه”؛ وذلك لأن التاريخ تجارب تُضيف إلى وعي الإنسان وتجاربِه تجاربَ مضاعفة، وتمد في عمره أعمارًا طويلة، وتبيِّن له مواضعَ العثرات، ومكامن الخَلَل، وتبرز له أسباب القوة وعلامات العافية، فالتاريخ هو الذي نستكشف به ما تحت أقدامنا، ونستبصر به واقعنا، ونَستصحبه لنَستشرف به مستقبلنا.

حسام العيسوي إبراهيم #الشارع_العربي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى