قصص من الواقع

رسالة أمانة

لم أكن أتصور أن شهادة وفاة صاحب الشركة التي عملت بها بكد ونشاط طوال الثلاثين عاما الماضية هي شهادة رحيلي أنا أيضا…

فبعد أن تولى ابنه “هيثم “مقاليد إدارة الشركة كانت أول قراراته التخلص مني وطردي إلى الشارع، فهو لم ينسى ذلك الموقف القديم حين اكتشفت تحويله أموالا من حسابات الشركة إلى حسابه الخاص دون علم أبيه وطلب مني عدم اخباره، وأنا أصررت على إطلاع أبيه من باب الأمانة.. وها أنا أدفع الثمن، ثمن الإخلاص و الأمانة…

ماذا أفعل بعد أن كان جم مشكلتي في شح المال أواخر الشهر، لأعيش باقي حياتي فجأة آخر الشهر..
ولدي الكبير في كلية الطب يحتاج إلى مراجع باهظة الثمن ووعدته في أول الشهر ..
ابنتي أرادت ملابس جديدة للشتاء ووعدتها في أول الشهر..
ولدي الصغير في الثانوية العامة ودروسه الخاصة تدفع أول الشهر..
حساب الماء والكهرباء والبقال وغيرهم …

لم أشعر إلا وأنا أقف أمام البنك، هنا حيث وضع صاحب الشركة أكثر من مائة ألف جنيه بإسمي خارج حسابات الشركة لأصرف منها على بعض أموره في غيابه في السفر..

هذا ثمن الغدر، هذا المال حقي وحق أولادي، حق خدمة السنين ،ربما أراد القدر ذلك فلتكن مشيئته ..

صرفت المال وانصرفت من البنك أجول بحقيبة مال هي تذكرة الأمان لأسرتي، ولكني برغم ذلك أصبحت أتعس من مجرد عاطل ، لقد أصبحت خائنا بل لصا..!! ياللخزي والعار.. لا أنا لم ولن أكون ذلك الرجل الملوث في آخر أيامه…لا..لا..
لست أنا من يفعل ذلك..

انهيت كلماتي وأنا أقف أمام باب الشركة لأدخل بسرعة أخاف أن تخور إرادتي مرة أخرى .. وأتجه إلى من ظلمني وأدخل عليه دون استئذان لأجده جالسا والدهشة تملأ وجهه وهو يمسك بورقة في يده علمت بعد ذلك أنها خطاب من والده له..

وضعت المال في هدوء أمامه وحكيت قصتها والدهشة تزداد على وجهه وعينيه حائرتان بين المال والورقةالتي  في يده ، وهممت بالخروج وأنا في قمة الفخر وشدة الحزن وأطياف أبنائي وهم في انتظاري عند أول الشهر يمدون أيديهم لي، ليوقفني نداء “هيثم ” الملئ بالحزن :

من فضلك..”إنتظر يا عم صلاح”..

إلتفت إليه فوجدته يبتسم ويمد يده بالورقه لأتناولها وأقرأ ما بها:

“ولدي العزيز أعرف أن أول قراراتك هي طرد عمك صلاح من العمل فأنت تكرهه منذ أن أفشى سرك لي وكان الأجدر أن تحترمه لأمانته، أعلم يا بني أنك الخاسر إن لم يعد صلاح إليك مرة أخرى ولكن إن عاد وهذا ظني به فسوف يكون ليعطيك درسا قاسيا حينها أعطه الشيك المرفق بالخطاب واعلم أنه كان رفيق دربي وكفاحي لنصنع لك تلك الشركة الكبيرة”..

أجهشت بالبكاء مع آخر كلمات الخطاب وأقبل هيثم يحتضنني بقوة وهو يردد “أنا أسف يا عم صلاح”

و أعطاني الشيك الذي وجدته أضعاف ما كنت سوف أختلسه ،.. مبلغ من المال أستطيع به أن أكمل باقي عمري في عزة وكرامة وأودع أيام آخر الشهر البائسة للأبد ..

هاف مون  #الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى