رياض فكر
أنين النزوح و حديث المخيمات
مسافرون وقد هجرنا ديارنا قسرا. وتلك المعابر والجبال نسحقها عبورا وازدحاما.
تتبدل الأفكار فينا كل ثانية, فتارة نطوي المسافات نختار أطراف الحدود.
وتارة نختار أطراف الإزدحام المعبأ في المدن القريبة.
نطوي صفحة ونفتخ صفحة ,ونكتب كل أبيات القوافي المبعثرة ثم نمحوها, ونتلف صفحة الدفتر. !!
وتارة نحتسي بعض الثواني الكهلة , كي ننتشي بلقائها فلا تقوى على حمل المعاني فتترنح تحت قدميها وماعساها أن تولد وهي ثانية عجوز؟ ؟!!
عيون الليل نرقبها ندللها نغازلها لعلها ترمي إلينا فتات من رقاد, فيرحل الليل تلو الليل ونبقى كما كنا فلا تغيير بالكلمات.
ينتابنا الشك في التمييز بين عدونا وصديقنا, فالكل يجرف الزاد من موائدنا, ويحمل القمح من بيادرنا, ويسرق النفط من مواردنا ,ويخطف الحسناء من مضاربنا. !!!! فهل نبقى بلا زاد ولا قمح ولا نفط ولا. …….لقاء مع الحسناء. ؟؟
مسافرون وقد لا نحدد جهة الرحيل. وقد نبيت يوما في العراء, وقد تتعدد أيام العراء, وقد لا نجد ظل شجرة يقينا لفحة الشمس , وقد لا نجد أربع جدران وسقف تبعد عنا حبات المطر. !!! وقد تتوه الدرب فينا إلى أرض لا تألف ملامحنا ,وقد نموت بلا لحد ولا كفن. ولا شاهدة تدوننا , ولا عنوان ولا رسمة أخمص أقدام تهدي إلينا عائد يقرأ على قبورنا سورة الفاتحة. !!!
كل شيء وارد في موطني, الإختفاء والإنزياح ,والإنهيار والإنحناء ,كلها مشروعة في بلاد العبث المنظم.
ماذكرته يا سادة حقائق واقعة ,وليست مشاهد من خيال , لكننا نسترسل المسير ونهتدي في أولى مراحلنا إلى الخيمة نعم الخيمة ,ونعم الخيمة العذراء التي تؤوينا بلا خجل ولا أفف, الخيمة العذراء تستر عيوبنا, الخيمة العذراء تحتضن العذارى, الخيمة العذراء تحتضن الخمار. وتحتضن الرحيل بلا وعود. !!!
أصل العروبة خيمة وراحلة ووتد, وتاريخ الخيمة ملتقى الأصالة والمضافة والشجاعة والشهامة والكرم.
أما الآن فالعروبة تخلد في نوم عميق. الخيمة أصل العروبة والعرب. وكما تعلمون فإن العرق دساس, والخيمة جذور , والجذور لا تموت. وتنبت بعد المطر, والمطر موعود, وسوف تنبت جذورنا من خيامنا.
أما أنا يا سادة فإنني أعيش مفاصل المشهد كل يوم, فأحيانا أتألم وأحيانا أتأمل .
حزينة تلك الروح التي تعيش بداخلي. تتكور داخل بنيان سقيم, عظام هشة, مرهوصة بالثواني الثقال. وهامتي أشلاء جسم ميت مدفون في الوهم العتيق, سئمت عيش المتاهات وإنتظار اللانهاية. .!! لكني على ثقة بأننا سوف نتجاوز الرحلة العسيرة, وسوف نعود إلى هناك ,حيث بدأت , بدأت رحلة الخلق وتكوين ذاتي هناك, حيث كان لنا إسم وعنوان, وسوف ينفجر كل هذا الهم المحشو في صدورنا فرحا عندما نعود, عندما تتزاحم الحافلات عبر حواجز المنع المفروض في الطرقات العائدة , نتبادل عبارات التلاقي الغارقة بالحنين, ما أجمل الإياب بعد الغياب, وما أجمل العناق بعد الفراق , وما أطيب رائحة التراب المبلل بالسجود. …!!!
أ. محمد سعيد **الشارع العربي**