قصص من الواقع

ورقة نقد مهترئة

#وقفت على محطة الوقود ، ملئت سيارتي ودفعت للعامل ورقة نقدية كبيرة ، أعاد لي الباقي ، وحينما نزلت السوق أشتري بعض لوازم البيت، وجدت أنه دس بينها ورقة نقدية صغيرة مهترئة ، قد إكتست بقطع اللاصق لتستطيع أن تأخذ شكل الورقة النقدية فقط .
أعدتها لمحفظتي لأن البائع نظر إلي بطرف عينه وأنا أدفعها له مع النقود.

إقتنعت أخيرًا أنها قدر قد إرتبط بي للأبد، وأني لن أستطيع التخلص منها ، لذلك إحتفظت بها في محفظتي وأنا أعتبر أنها مجرد قصاصة ورق .
لقد عاصرت في محفظتي عشرات الآلاف من أوراق النقد التي دخلت ثم خرجت ، وهي قابعة هناك في أسفل المحفظة ، تنظر إلي كلما فتحت محفظتي لأدفع وهي تعلم علم اليقين أنها باقية ، وأني لن أتخلى عنها .
لكن هل تودون الصدق ، أني أشعر بالأنس بها ! لأنها باتت تعطيني إحساس أنني أملك مالا حتى لو أنه لَبيس في المحفظة غيرها .

مررت يومًا أمام الكشك القريب من بيتي ، شعرت بالعطش والرغبة بعصير بارد ، توقفت تحدثت مع صاحب الكشك وطلبت زجاجة عصير ، أخرجت ورقة نقدية كبيرة حيث أنه لم يكن معي أوراق صغيرة ، دفعتها له ، فقال لا أملك ( فكة ) ستدفع لي لاحقا .
وبينما أنا أعيد النقود لمحفظتي لمحها تجلس هناك ، فقال هذه تكفي .
قلت له: أنظر لحالها ، ممزقة مهترئة لا يمكن صرفها .
فقال لي : لا عليك هاتها .
المضحك أني حينما هممت لدفعها له شعرت بالغصة ، والحزن وآرتجفت يدي حين أعطيتها له ، إستغربت ردة فعلي وأنا الذي حاولت مئات المرات التخلص منها .
لا أدري لما شعرت أنني أريدها أن تبقى معي ، لما أود الإحتفاظ بها وهي تشغل حيزًا من محفظتي وأنها لن تُصرف يومًا.

غادرت المكان للبيت ، في اليوم التالي حين أردت أن أسدد ثمن حاجات المنزل ، أصبت بالفزع حين لم أجدها ، قلبت المحفظة ظننت أنني قد أضعتها ، ثم تذكرت حادثة البارحة

هكذا نحن البشر

بعض علاقاتنا تشبه علاقة هذا الشخص بورقة النقد المهترئة، هناك فروق واسعة بينهم ، فيهم الكثير من العيوب الغير محتملة .
لكنهم مرتبطين برابط خفي ، بعيد عن أي مصلحة ، فمحال أن يستفيد أحدهم من الآخر ومع ذلك فإننا نفتح محفظتنا كل حين لنطمئن أن الآخر مازال موجودٌ هناك .
حين نقابل أحد في الشارع صدفة يشبه مثيل الورقة النقدية ، نمد يدنا تلقائيا للمحفظة ونبتسم ، وكأننا نقول : نعم إنني أملك شبيهك .
نحاول بشتى الوسائل أن نتخلص منهم ، ونقسم أننا سنفعل ومع ذلك نبقيهم في ذلك الركن دون أن نفعل ، وحين نفعل ذلك ، سنسرع يومًا لصاحب الكشك ونسأله عن تلك الورقة النقدية المهترئة المغلفة باللاصق التي لا تصرف ، سنجدها هناك ، لأن الجميع يرفضها ولَن يعرف قيمتها سواك .

بعض علاقتنا كهذه العلاقة .

سليمان_عمر #الشارع_العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى