رياض فكر

الحياة التافهة

سيكولوجيا

 

من أعظم ما يجب أن نتفكر به هو “صناعة التطور” فهي تتناول ماضي الإنسان وترتقي بحاضره وتستشرف مستقبله .

فإذا قارنّا بين هذه الحضارة التي اخترناها منذ خمس عشرة ألف سنة ، وبين حياة الغابة حين كنا أحرارًا نصيد السمك أو نقتل الحيوان أو نقلع الجذور، ونجول في أنحاء العالم، نصطدم بالأسود أو الأفاعي أو سائر الوحوش ونعيش في مخاطر متوالية تذكي عقولنا وتحد من عيوننا، كنّا وحوشا أحرارا نعي بوجداننا الخطر المحدق فينا و نعتز بانتصاراتنا أو تخطينا لتلك العقبات …

ثم تطورنا فبتنا نطوع الأرض لنزرعها ، و نتعلم التجارب من الكتب بدل الطبيعة – وقلة من يقرؤها – وبتنا نحاسب الأرض؛ ونحسب ما تنتجه بالسنت لأنها باتت حصالة لنا ، بعد أن كنا نتعامل معها كشريك لنا في الحياة تنتج ما نحتاجه لنعيش لا لنثري.لكن حين نتأمل حياة بعض الناس في هذه الحضارة نجد تفاهة تجعلنا نحس أن الغابة القديمة بكل ما فيها من أخطار  كانت أشرف وأدعى إلى نشاط الفكر والجسم من       حالهم الحاضرة ، وأن الحضارة عندهم ليست كسبًا    وإنما هي خسارة وخسة وضعة .

لقد قلت إننا في الحضارة نحصل على اختباراتنا من الكتب ، ولكن هؤلاء القارئين للكتب هم القلة، أما الكثرة فيعيشون بلا كتب. ويضيق وجدانهم بحيث لا يتجاوز أحيانًا البيت الذي يسكنونه أو الشارع الذي يسيرون عليه من المنزل إلى المكتب.
فلو اخذنا مثالاً حيًّا ممن حولنا حارس شركة او مستخدم في مؤسسة ؛ أو حارس عمارة مع ٱحترامنا لآدميته كم عدد مفرداته التي يستخدمها وما هو النشاط الذي يقوم به ؟وما هي أهدافه في هذه الحياة؟ ….

روتين متكرر وعدد محدود من الأعمال التي يكررها أثناء عمله ومفردات قليلة يستخدمها – طبعًا اقصد من استكان لوضعه وقبل به على علاته – جل همه تحصيل قوت يومه والعودة لبيته ليأكل وينام ؛ أو يرمي جثته على كرسي في مقهى يمضي ساعات قبل أن يعود لفراشه ليصحو صباحًا ويكرر اليوم الفائت بحذافيره.
لو كان في حياته الأولى لكان يجري بحثًا عن طريدة يعلق أنيابها في صدره علامة انتصاره، يتوغل في مناطق جديدة لم يصل لها اقرانه مطلقًا صيحات الظفر، مبتكرًا طرقًا جديد لصيد طريدته ومخترعًا طرق جديدة ليكمن ويتخفى ليفاجئ الطريدة.
لن يترهل جسمه او يتبلد ذهنه لأنه لم يستكن لحياة متكررة لا روح فيها….

وأمعن النظر في ذلك الحصان الذي يجري في البرية متواثبًا حُرًا مفعمًا بالنشاط حتى وان دجّن فانه يعمل في الحقل أو يجري في حلبة سباق ولكن عندما يقاد إلى منجم الفحم فإنه يعمل عمل متكرراً لا حياة فيه ولن يرى الشمس حتى يخرج من المنجم ليدفن.

هل من فرق بين ذلك الحارس وبين ذاك الحصان ، عندما نتأمل حياة بعض الناس فنجد الفرق بينها وبين حياة هذا الجواد ليس عظيمًا. فإن مساحة المنجم الذي كان يعمل فيه  ومساحة مكان عمل بعض الناس متماثلة وروتين عملهم واحد متكرر .
كان يمكن لهذا الحصان أن يحقق انتصارات في حلبات السباق كما كان يمكن لذلك الحارس أن يكمل مابدأ به أينشتاين .
فكل من جواد السباق وجواد المنجم يملك نفس التكوين الجسدي والعصبي، وكذلك أينشتاين وذلك الحارس لا فرق في التكوين الجسدي أو العصبي فلكل منهما نفس العدد من الخلايا الدماغية الفرق أن أحدهما استغل معظمها والآخر قتل معظمها.

سليمان عمر ** الشارع العربي **

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى