قصص من الواقع

أريد أن أصبح طبيبة لكن لا أريد رؤية الدم …

فيما كنت أتحدث معها ذات مساء ، سألتني سؤال غريب .!!

قالت لي : خالي أريد أن أدرس الطب مثلك ، و كم اود التخصص بالامراض الجلدية ، حتى اعيد تشكيل البسمة و الفرح على وجوه الناس .
انك حينما ترى الناس ترى ان وجوههم تجعدت رغم شبابهم ، و الهالات السوداء رسمت حدود عيونهم ، رغم انهم لا يتعاطون أي مخدر ، واجسادهم نحيلة دون ان يتبعوا أي حمية أو أي نظام غذائي.
تلك الطفلة التي لا أتذكر ملامحها جيدًا على أرض الواقع ، بل اذكر صور مبعثرة لها في الذاكرة واخرى وصلتني على الهاتف ، وما تحدثت معها إلا بضع مكالمات على الهاتف كل حين .
لكن هناك أمر اود البوح لك به ، أريد طبًا بلا شوكة .
نعم قالت لي أريد ان أصبح طبيبة لكن لا أريد رؤية الدم .. فقد اكتفيت منه منذ أن بدأ ادراكي الأول بالتشكل ، فما ان بدأت اتعرف على هذه الدنيا حتى سمعت أصوات الانفجارات ، وبدأت سلسلة الهروب من بيت الى بيت ، ان حياتي منذ صغري اشبه بلعبة الدومينو يسقط بيت ، وانتقل للآخر الذي لا يلبث ان يسقط ، لقد غيرت بيتي خلال عقد من الزمن بعدد سنينه ، ولا اذكر ايها مدرستي الأولى ، وكذلك لم تعد ذاكرتي تقوى على تذكر ملامح مدرساتي ، ولا اخفيك اني خلال مسيرة دراستي فقدت وافتقدت العديد منهما ، وفي عيد المعلم أشعل دزينة من الشموع على نافذتي عند منتصف الليل ، احياءً لذكراهم ، لاني ببساطة لا أعلم اين دفنوا ، او انهم دفنوا حتى أضع وردة على قبر كل واحدة منهن.

ثم تابعت ، وكذلك لا اريد ان اعطي أي مريض حقنة ، فقد نالت المحاقن من جسدي كثيرا بعد كل إنفجار نجونا منه ، و لا اريد ان اقف على منضدة التشريح ، فقد حفظت تشريح الجسم البشري لكثرة ما رأيت من أشلاء وتعرفت عليها .
ولا اود ان اخيط جروحا ، لاني اكتفيت من اخاطة جروح نفسي ، وجروح من حولي .
خالي هل تستطيع أن تدلني كيف السبيل لذلك .

اطرقت حزينا واخفيت دمعة هربت من بين أجفاني ، وشكرت الله أن الحديث كان هاتفيا حتى لا ترى مقدار ضعفي.
ثم قلت لها ، ربما ستكونين اقدر مني على تحمل ذلك ، ومؤكد انك ستكونين أفضل مني في ممارسة هذه المهنة يومًا لأنك صرت تعلمين معنى الألم اكثر مني .

أكيد هي ستقرأ قصتي وتتخذ قرارها حتى لو خالفت رؤيتها وان الألم هو جزء من الحياة و يعطي للحياة معناها

د : سليمان_عمر** الشارع العربي**

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى