قصص من الواقع

مع أبي

( تزوج والدى وهو فى الخامسة والأربعين من عمره وأنجبنى وهو فى التاسعة والأربعين

لذلك كنت أشعر دوما بأن هناك اختلاف بينى وبين أقرانى فى المدرسة ، فوالدى شعره أبيض وفى عمر أجدادهم ..

لكن الشعور المؤلم كان خوفى أن أفقده وأنا صغير فى السن .. أن أصبح يتيما ..

كنت أقلق بشدة عندما أسمع كريمة مختار تقول لإبنتها منى جبر فى فيلم الحفيد : “أولاد الشيبة يتامى يا أحلام” ..

أتذكر وأنا فى التاسعة قلت لأبى وأنا أرتجف من البكاء : “أنا خايف تموت” .. إحتضننى وقال : “مقدرش أوعدك إنى ماموتش ..

بس اللى أقدر أوعدك به .. إنى أربيك تقدر تعتمد على نفسك” ..

رغم ذلك كان هاجس الخوف من أن يموت دائما يطاردنى .. كنت أشعر دوما بأننى سأفقده قبل أن أتخرج من الجامعة ..

ويزداد هذا الشعور ويشتد قلقى لما كان يمر بأزمات صحية .. .

كنت أخاف من أن يصاب بمرض السرطان وأن يصارع هذا المرض اللعين لفترة طويلة ..

وكنت أخاف أيضا من أن يتألم أمامى ولا أستطيع أن أفعل من أجله شيئا .. أو أن أكون عاجزا عن دفع تكاليف علاجه ..

مشهد عمى كمال الشايب وهو نائم على السرير يتوجع من الألم كان دائما ما يطارد مخيلتى ..

وأبى نفسه كان يطلب من ربنا فى صلاته أن يموت بصحته واقفا على قدميه .. ويحزن جدا لما يقرأ فى الأهرام خبر وفاة فنان أو شخصية مشهورة بعد صراع طويل مع المرض .. فكنت أقص تلك الأخبار من الجريدة قبل أن يقرأها ..

وظللت أعانى من هذه المخاوف والهواجس لأكثر من 25 سنة ..

وفى النهاية توفى والدى وهو فى الرابعة والثمانين من عمره .. وكنت فى الخامسة والثلاثين .. ولم يصارع المرض كما تمنى مر بأزمة صحية بسيطة قبل أن يموت بثلاثة أيام فحسب .. ولم أشعر أبدا أنها أزمة خطيرة .. وفى يوم وفاته تناولت معه الإفطار كما نفعل عادة فى أيام العطلات .. ومات بعدها بساعتين ..

بفضل تلك التجربة المؤلمة وتجارب أخرى غيرها .. اكتشفت أن الكثير من الأشياء التى نقلق بشأنها فى حياتنا لا تحدث أبدا ..
وأن الكثير من قلق فترة المراهقة والشباب ليس حقيقيا .. وأننا يمكن أن نطرد تلك المخاوف بالتوقف عن التفكير فيها ..

#العبرة:

علينا أن لا نقلق من شىء ليس فى استطاعتنا تغييره لأن كل شيء بيد الله وبحسن تدبيره سبحانه

جلال الشايب #الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى