رياض فكر

نذرية

نذرية
اعترض وحلق نحو الشّمس
مع الشعاع الدافئ النقي
وعانق الغمام يسقط المطر
يغسل جدران البيت القديم
من آثار الدماء الملتصقة بحجارة البازلت
حيث سقطت هناك قرب البوابة الكبيرة
من أعلى جدار المظافة ونزفت ,كنت شقيا صغير
وجارتنا العجوز تنضح الماء على أطراف الزقاق
يدها فخار شويت على جمر نار الحصيّده
هناك على لوح الداروّس ,  كنت أصلي واقفا دون ركوع
توقفت الدابة عن الدوران فوق طرحة القش, بعد أن يأتي جدي حاملا الشاعوب ليقلب الطرحة
بعد رمي كل الأغلال عن الدابة
يظهر الحصان والفرح يغمرني
أمتطيه وأصبح فارسا عصاتي سيف , ولحم صدري ترس وعصابة الرأس مطرزة بسنابل القمح
متوجها لوسط القرية  , حيث بركة الماء
على ضفافها يصطف قطيع الخراف والماعز يحتلون كل الأطراف
لا تدافع بينها تصطف بإنتظام  , ثم تختلط ببعضها وتنفصل بإنتظام
أفواج وكتائب وسرايا ,  وكل لها جحش ومرياع والكلاب تشرب بعد أن ينفض الزحام
وبعض الحمير والبغال وقليل من الإبل تجتمع على المورد
وفي المساء تخرج الصبايا لنقل الماء
والزنار يعانق الخصور الراقصة على أنغام خرير الماء
إبتسامة خجولة تشعرك بالرجولة
جدائل مدلاة على الصدور ووجوه بيضاء وسمراء وبينهن واحدة شقراء
الشباب من كل الإتجاهات كالقدور على التنور تغلي وتفور
والهمسات تختفي خلف نظرات خفية تلاحق إلتصاق الملابس بالأجسام
أنا طفل لا يعرف أبدا معنى الفطام
من صدر أمي وحضن الأم الكبرى
روحان في جسدي الإسم إشتقاق من إسم الآلهة أمون
أنا وحيد وعنيد والآن الطريد الشريد
أنا إبن ذاك الرجل الطيب الودود الصابر الجلود
مات ولم يراني أو أراه , فاللقاء يهدد أمن الوطن , ويحطم جدار الخوف ,  ويكسر صمت القبور بغناء الحرية المجروح
ذهب الجبل الذي ساندني ولم يتركني حتى في حلمهالأخير, والطيف بجانبي يسير
كم من الأثداء إقتحمت ولم ارتو , رسمت عليها أحجيتي وكتبت أسئلتي
ولم أتلق أي جواب
ومازلت أبحث وأتقصى ,  وبإختلاف الأحجام والأشكال , و ورائحة الحلمّات زهور متعددة الألوان والجمال , تفجر الميزان وأصبت بالإدمان
تهت خلف الأبواب المغلقة بالخرافة الموصدة بمفتاح الخوف , وحلقت مع الحلم
كنت أصغي وأسمع , وأخالف كل القواعد و الطرق, وأتنقل بين الحواكير مثل العصافير
دون أغلال وقيود……
تغريدي موسيقى ججارة السناسل التي ترسم حدود البيادر خلفي,تتساقط كالدمينو
أنام في البيدر على سرير عذري وغطائي السماء, وطعامي لفيف خبز الصاج في الفم,  يلوج ويذوب مع لبن مصفى وكأس من الشاي المغلي على حطب الشيح والقيصوم
أستفيق قبل الدجاج لألتقط بيض البط من الأعشاش ,
حول البركة المغطاة بحشائش الماء
وقبل وصول تلك العجوز , صاحبة السرب أعود بما غنمّت وأخفيه في أرض الديار تحت جرن ماء الحمَام
أفتح البوابة ثم أسير أمام قطيع الأغنام والماعز كأنني قائد مقدام
إلى الراعي المتواجد في أقصى غرب القرية  , مرورا بمكان تجمع الأبقار قرب بيت راعي العجّال
ونساء تتوزع حول القطيع متربصات متأهبات للإنطلاق
صافرة بدء السباق والإنقضاض على ماتطرح الأبقار والعجول من خيرات
والسباق محتدم والأبقار تشتر وتلتهم وتطرح الخيرات
يكتمل القطيع , ويساق إلى البعيد وتعود النساء للبيوت محملات بالخيرات
يتم بعدها إعداد ماجمعن , و تصنع منه فاكهة الشتاء البارد والحضن دافئ الأركان
أعود للبيت لحضيرة الحصان أفك قيده وأمتطيه متوجها إلى البيدر
وتبدأ من جديد رحلة اللف والدوران , تكسّر عظام القش تحت اللوح تمنع النوم وقلبك نعسان وتسافر في خيال الهذيان
حياتنا بسيطة هادئة ووديعة
إلى أن أتى العسكر
عسكر اليمين وعسكر اليسار
وعسكر بحذاء وعسكر بذقون وعسكر الإخوان
أخذو الشبان إلى المعسكر للخدمة بحجة الوطن
وطوعو ا الرجال في سلك الشرطة للعيش في أمان
فخسرنا الوطن ولم نشعر بالأمان
وبنيت السجون والمعتقلات
مسالخ بشرية أقبية المخابرات
كمت الأفواه بمدارس عبادة الأفراد, وأحذية الجنود وآنتشرت أغاني الإنتصارات على طواحين الهواء
جفت البركة ومات القطيع , ولم يعد هناك بيادر ولا صبيان ,ولا شباب ولا صبايا حسان
لم يبق غير الجنود الغول, وبنات داحس والغبراء
وقصص الزير المهبول
وبطولات عنتر وأحفاد المغول
دمروا البلدان وأحرقوا البستان وقتلوا الإنسان
وهجرت الناس قهرا وقسرا إلى أقاصي الأرض
ونشرو ا  الطغيان
لإغتيال ماتبقى من حضارة الإنسان
توقف الزمن وآنعدم المكان
صمّت رهيب قبل إنفجار البركان
سهيل أبو جبران**الشارع العربي**

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى