قصص من الواقع

معاناة رضيعة

طبيب مناوب يحكي :

دخل على قسم الطوارئ رجال أمن يحملوا طفلة حديثة الولادة  ووجها أحمر دموي بقرصات النمل الذي لم يترك مكانا إلا وسكنه بقرصه فأدمى جلدها الناعم..وجدت ملقاه على وجهها في وادي .عاشت فيه عشر ساعات بعد ولادتها بين حرارة شمس  درجتها ٤٥  ملقاة  فوق الحجارة ..بلاإنسانية من والديها  المجهولين …  حتى نزلت عليها رحمة الله .. بأن رٱها أحد رعاة الغنم؛  فبلغ الشرطة واحضروها إلينا…

وضعوها على السرير ؛يطلبوا مني ثيابها من أجل التحقيق والبحث عن أبويها أو لإثبات نسبها..

فأشفقت عليها كيف ستجرد من ثيابها وتبقى عارية في قسم بارد من التكيف المركزي  ؛ فطلبت  أن لا يخلعوا ثيابها حتى أحضر لها ثياب ……

ذهبت مسرعا لأقرب محل  واشتريت لها ثياب جديدة فأخذت الممرضات ينظفن  ما علق بها؛  وغيرنَ ثيابها؛  وادخلوها لقسم الخداج …

جلست مع نفسي أتأمل حالتها  وأحدثها:

_   لا أعلم كم تألمت يا صغيرتي وأنت تحاولين إبعاد النمل القارص عن وجنتيك فيلتصق بخديك فيؤلمك أكثر…  تنتفضي تحاولي إبعاده  فيدخل بين أناملك فيقرص جسمك الضعيف ….

ٱه يا صغيرتي كم عانيت وتألمت؟  كم ساعة  مضت وأنت تتحملين كل أنواع العذاب : ظلام الليل ..وحر النهار وقرص النمل .. عذاب لا يحتمله رجال أشداء.لا  لاتعلمين يا صغيرتي  أن  قلبا قاسيا  وضعك هذا الموضع  لتنتهي حياتك ..لكن إرادة الله وعنايته ورحمته كانت أقوى من شرهم ….
انتهت مناوبتي؛  وذهبت بقلب يعتصر ألما عليها وعلى كل لحظه عاشتها؛  متسائلا كيف سمحت نفس أبويها ان يلقوا بها للتهلكة ويجعلانها تعيش بدون نسب؛  وان يطلق عليها اسم لقيطة!!! وما ذنبها الذي اقترفته حتى تعاني كل هذا العناء ؟

في مناوبتي التالية بعد ثلاث أيام ذهبت للإطمئنان عليها بقسم الخداج ؛ ورأيتها قد أصبحت بأفضل حال..

كانت نائمة وقد تعافت من جراحها وبقي آثار قرصات النمل على شفتاها ووجهها؛  فمددت يدي أداعبها فاستيقظت ونظرت إلي كأنها تعرفني فابتسمت ابتسامة جميلة ببراءة  لاتنسى .مما جعلتني ..ألتقط لها هاته  الصورة.. الجميلة

ما أحلاك  يا صغيرتي !!!!!

فادية الزعبي**الشارع العربي **

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى