قصص من الواقع

التغافل الذكي

يقول أحد المدراء :

عندما ترقيت إلى منصب مدير
كان من ضمن الموظفين عندى شابٌ نشيطٌ جداً ،
وناجحٌ في عمله ،

وكان يقوم بكل ما يطلبُ منه بذكاءٍ وسرعةٍ ودقةٍ ،
كما أنه يحقق نسبةَ إنجازٍ عاليةً ، لكنه كان لعوباً إلى حد ما

فلقد كان يغادرُ مقرَّ عملهِ كثيراً بدون إذن ،
حتى أن إجازاتُه وأذوناتُه أكثر من المُعتاد.

ذاتَ مرة تقدّم الشاب بإجازة ليسافر مع أصدقائهِ في رحلة ..
لكنني رفضتها

فما كان منه إلا أن تقدَّم بإجازةٍ مرضيةٍ ،
واتصل مدعياً المرض معتذراً عن الحضور

ولأنني أعرف أنه ليس مريضاً
ذهبتُ صباحاً إلى بيته وانتظرتُ هذا الشاب باكراً ثم قابلته وهو يحمل عدّة الرحلات
كاد الموظف يذوبُ خجلاً ،
ووجههُ يتقلّب بين الخجلِ والحرج

للأسف ،
بينتُ له أنه لم يكن قادراً على خِداعي ، وأنني لستُ بتلك السذاجة التي يظنُّها
وبرهنت له أنه كاذب ،
وخصمتُ عنه أجرَ اليوم مضاعفاً

لكن ماذا حصل بعد ذلك
بعد أيامٍ ،
تقدَّم الشابُّ باستقالته
ومن جهتي ،
خسرتُ جُهده ونسبةَ الإنجاز العالية التي كان يُحققها ،
ولم يعُد بالإمكان أن أرفع لإدارتي العليا نسبَ الإنجاز السابقة ، وصرتُ بحاجةٍ للبحث عن شاب يمكنه أن يحقِّق ذات الإنجاز وهم قليل

لقد كان غباءاً منقطعَ النظير ،
فما الذي استفدتُه من ذلك… ؟

يومها ،
إكتشفت أنَّ بعض ما نخسره في حياتنا ، يكون بسبب التضييق على الآخرين ، وإغلاق منافذ الهروب
ما يجعل الطرف الآخر،
أمام خيارين :
إما أن يهربَ مِنك وتَخسر جهده أو يتخذك عدواً فيكيدُ لك ويدعو عليك وسيتراجع نشاطه كنوع من الدفاع عن النفس .

وفي كلتا الحالتين ستكونُ خاسرا”

لذلك،
أجدُ أنه من المناسبِ أن تختارَ اللحظةَ ، لتسمحَ للطرفِ الآخر أن يتراجَع ، أن يهربَ بِكرامة ،
فبعضُ التغافل مفيدٌ جداً.

لن تكون منتصراً فعلياً فيما لو كشفتَ المرء أمامكَ وأمام نفسه حد الاحراج ،
حيث لن يجد بداً من المواجهة أو الهروب

فالتجمُّل و التّغافل هو ورقة مهمة و التي تسترنا وتحمينا.
ليس الغافل بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغافل.

الأفضلُ دائماً أن تفتحَ لخصمكَ طريقاً يخرجُ منه كريماً فيحترمُك ، بدل أن تُحرجه فيُعادِيك.

لا يُشترط أن تفوزَ بكل المعاركِ فبعضُ الفوزِ هزيمة .
ولا تُحرق مراكبكَ أبداً ،
فقد تحتاجها قريباً

هذا إهداء لكل أب وأم ولكل زوج وزوجة ولكل الاخوه والأصدقاء ولكل مدير ومديرة ومعلم ومعلمة.

فلابد أن تكسب الجميع بنوع من التغافل الذكي والتجاوز ،
وذلك ليس غباء ،
بل هو منتهى الذكاء والفطنة.

رائد البصري#الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى