قصص من الواقع

عندما يتفوق الإيمان على العبودية

يقول “..أحد التجار”

” خرجت إلى سوق العبيد لأشتري لنفسي عبدا يخدمني ، فوجدت سيدا يبيع عبدا و ينادي عليه قائلا : من يشتري هذا العبد على عيبه ؟

فقلت له : يا سيدي و ما العيب الذي فى هذا العبد ؟ فقال : سل العبد يخبرك فسألته فقال : عيوبي كثيرة  و لا أدري بأيها شهروني .
فرجعت إلى صاحبه وقلت : يرحمك الله ألا تخبرني عن عيب ذلك الغلام ؟ قال : إنه معتوه العقل ينتابه الصرع من حين إلى حين . فقلت للعبد : أيأتيك هذا كل يوم أم يأتيك كل أسبوع ؟ فاسترجع و بكى

و قال : يا سيدي إذا استولى داء المحبة على القلب سرى فى الأعضاء ، و إذا استولى على الجوارح نشر خمار المحبة على سائر البدن فيطيش العقل بذكر الحبيب ، فيحدث فى القلب استغراق و على البدن سكون فيراه الجاهل فيظنه عتها و جنونا .

قال التاجر : فعلمت أن الغلام من أولياء الله الصالحين . فقلت لسيده : كم ثمن هذا الغلام ؟ فقال : ثمنه مائة درهم ، فقلت له : ولك مني عشرون فوق المائة ، ثم جئت به إلى منزلي ، فكان يصوم النهار و يقوم الليل ، و لا ينقطع لحظة واحدة عن عبادة الله و تلاوة كتاب الله .
و ذات ليلة دخلت مخدعه فوجدته يصلي و يبكي حتى سجد فكان يناجي ربه فحفظت من مناجاته هذه الكلمات
: ” إلهي .. أغلقت الملوك أبوابها ، و بابك مفتوح للسائلين . إلهي .. غارت النجوم ، و نامت العيون ،  وأنت الحي القيوم الذى لا تأخذه سنة و لا نوم ، إلهي .. فرشت الفرش و خلا كل حبيب بحبيبه ، و أنت حبيب المجتهدين ، و أنيس المستوحشين ، إلهي .. إن طردتني عن بابك فإلى باب من ألتجئ ؟وإن قطعتني عن جنابك فبجناب من أحتمي؟

إلهي .. إن عذبتني فإني مستحق للعذاب و النقم ،و إن عفوت عني فأنت أهل الجود و الكرم ، يا سيدي لك أخلص العارفون ، و بفضلك نجا الصالحون ،   وبرحمتك أناب المقصرون ، يا جميل العفو أذقني برد عفوك ، و حلاوة مغفرتك ، إن لم أكن أهلا لذلك فأنت أهل لذلك ، و أنت أهل التقوى و أهل المغفرة ” .

فلما أصبحت قلت له : يا أخي كيف كان نومك الليلة ؟ فقال : كيف ينام من يخاف النار و العرض على الواحد القهار . ثم بكى ، فقلت له :
إذهب فأنت حر لوجه الله . فلم يفرح بذلك . و قال : يا سيدي كان لي أجران : أجر العبودية و أجر الخدمة ، فحرمتني من أحدهما أعتق الله و جهك من حر جهنم . فدفعت إليه نفقة فأبى أن يأخذ منها شيئا ، و قال : إن من تكفل برزقي حي لا يموت ، ثم غاب عني .
فكنت كلما ذكرت كلامه أخذني البكاء ، فسألت الله أن يحشرني فى زمرة عباده الصالحين المحبين لقربه ،  والساعين ليلهم و نهارهم إلى طلب فضله و رضاه ..

هناء الألوسي **الشارع العربي**

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى