قصص من الواقع

عندما تتغلب الشهامة على المهنة

 

دخل مكتبي مساء ذات يوم رجل وامرأة يريدان الخلاص من بعضهما بما يُسمى بالمخالعة الرضائية بينهما ؛

وكعادتي الثابتة أفتح تحقيقا في أية موضوع يعرض علي ومحاولة ثبر غَوْرِ من يريد توكيلي لمعرفة إن كانمحقافي دعواه أم مبطلا يريد هضم حقوق الآخرين عن طريق فراساته بالقضاء ..
نظرت للرجل فهو بهي الطلعة وسيم الملامح وكما يقول المثل الشعبي ( أختو بتعشقو)
حملقت بالمرأة !!! ماشاء  الله .تقول للقمر غيب لأجلس مكانك رقيب !!!
قلت في داخلي : أجهد بجسدك علك ترأب الصدع بينهما لأن إقدامهما على المخالعة وهما بهذا الشكل لأبد من معضلة عَلَّني أتجاوزها .
قلت للرجل : كم ولد لك منها ؟ قال أربعة ! أصحيح ذلك يا سيدتي ؟ قالت نعم !
ماذا تعمل ياسيدي ؟ قصابا ( جزارا)
صانعا( عاملا) في محل الملحمة أم صاحبها ؟ صاحبها ! أتسكن بالإيجار أم بدار ملك ؟ الدارملكي وتتضمن ستة شقق سكنة !!
استخلصت من الحوار بأن المعضلة بينهما غير ناجمة عن شظف العيش وضنكه !!
سألت السيدة أأنت من حلب ؟ قالت :من دمشق” وكيف وقعت القسمة والنصيب معه ؟ شقيقتي متزوجة قبلي في حلب وتعرفت عليه بسبب جوار أهله لشقيقتي !! أننت متعلمة ؟ أحمل ماجستير في التربية ؛ أتمارسين التعليم ؟ لا ربَّة منزل
أزوجك بخيل أم مدمن على الخمرة والموبقات ؟ لا
هل والدته أو شقيقاته يزعجانك ؟ لا !!!
لماذا جئتم لعندي بغية الفراق وأنتما ما شاء الله آية في الجمال ؛وميسوران الحال ولكما أولاد أربعة ؟ وهل أنتَ ستحظى بأفضل منها أو مثلها إن طلقتها وهل من ستتزوجها ستتحمل عبء تربية أربعة أولاد بالإضافة لأولادها الذين قد يُنجَبون منها ؟
وأنتِ يا سيدتي كيف ستتركين الأربعة أولاد وأين ستعيشين بعد الطلاق بعد أن فهمت بأنها ليس من قريب لها سوى شقيقتها التي ذكرت آنفا ؟؟
وهل تضمنين التوفيق برجل آخر أفضل منه ؟
تراجع الرجل عن تصميمه على التطليق لكنها أصرت وألحت على إيقاع المخالعة !!!!
شعرت بنصف الإنتصار لتراجع الرجل عن قراره وهذا حفزني على متابعة مهمة الإصلاح ؛ وإن فوَّتُ على نفسي الأجور التي سأتقاضها عن إجراء المخالعة !!!
أطنبت وأسهبت بالحوار مع السيدة لتتراجع عما ترغبه ومما قلته لها : الله تعالى قال : يأايها الناس إنّا خلقناكم من نفس واحدة وبث منها زوجها  أي من تلك النفس الواحدة خلق الذكر والأنثى ……..
وبذلك فالرجل نصف والمرأة نصف ولا يتكون الرقم ( ١) إلا بتلاحم النصفين والمتعة التي يشعربها أي نصف إذا لمس النصف الآخر ناجمة عن اكتمال النفس البشرية؛ ولا يمكن للنصف العيش دون النصف الآخر !!!

رغم ذلك بقيت مُصِرَّة على موقفها فقال الرجل : لا أطلقك إلا إذا اعطيتيني مالديك من حلي ذهبي وتنازلتي عن ملكية نصف المبنى الذي نقطنه ؛وتنازلتي عن مهرك ومهرها يعادل عشرين ألف دولار . !!!

ذهبت للمغسلة ووضعت الماء والصابون على زنديها وخلعت الذهب منهما ووضعته على طاولتي ويقدر بكيلو غرام وأخذت ورقة بيضاء وتنازلت عن المهر ونصف المبنى وقالت سأبقى مصرة على طلبي :
صعقت من موقفها وقلت لها رغم كل هذا الحوار تراجع هو ولم تتراجعِي !!!!
قالت يا أستاذ : ذكرت بأن الإنسان نصف ولا يعيش النصف لوحده لأنه جزء ؛ وأنا سأعيش بالنصف أفضل من أن أكون لا شيئ أو كالفيروس الميكروبي؛

إن هذا الرجل لا يعتبرني إلا   مكنسة في المنزل؛ ولا أرى منه غير الضرب والتعذيب والإهانة في الشارع؛ والحديقة ….

قلت لها : لماذا ؟ قالت كلما مر بنا رجل ونظر إلي ينهال عليَّ ضربا وتبريحا؛ وتتجمع الناس وبات الحي الذي نقطنه كله يعرف ذلك ؛ورواد الحديقة .

قلت لها: لا تذهبي معه! قالت يجرني جبرا فإذا تطلقت منه وعشت بنصف أفضل من هذا الواقع !

تألمت لحالها !!!  يا الله ما هذا ؟ سيدة تنازلت عن الأولاد والمهر والحلي الذهبي والمنزل لتنج بروحها ؟!  وانطبق عليها المثل الشعبي ( إذا تضايقت العنزةتدوس بقلب فلوها)
واستخلصت ثلاثة أمور !!!
لا أهل لها يشدون أزرها وغير محجبة ؛ وزوجها نصف أمِيٍّ ولعلَّ ذلك من  أهم العوامل التي أوصلت الإثنين لتلك النتيجة المأساوية .!!!

انتابتني الحميَّة وأغرقتني النخوة؛ ونسيت أنني محامي
قلت لها : أنت ليس لك أشقاء ولا أب؛ أما تريدن أن يكون لك شقيقا ؟؟ قالت : لو كان لدي أشقاء ما وصلت لما أنا عليه الآن !!

التهبت مشاعري وتشنج وجداني وهاجت أعصابي وقلت لها : لقد تنازلت عن كل شيئ والآن قد حضر شقيقك؛

قالت أين هو ومن هو وليس لي من شقيق ؟ قلت لها أنا هو وهل تقبلين أخوَّتي لك ؟ انهمرت دموعها على وجنتيها ولا أعرف السبب وقالت نعم وتقدمت إلي وقبَّلت رأسي ؛ فقلت لها: لن نعطيه الحلي الذهب؛ ولن نتنازل عن المنزل والمهر والأولاد ؛ والتفت إليه قائلا : اتعرفني من أنا قبل دخولك مكتبي ؟ قال : أعرفك !! قلت له سأعيدها لك وإن أسأت لها حسب ما تعودت عليه  سأوصلها بيدي  للمحكة وسأحصل على حقوقها كاملة مع أولادها.
والتفت إليها وقلت لي مطلب واحد منك ألا وهو الحجاب الذي يغطي شعرك دون وجهك وأن لا تتزيني كثيرا إذا خرجتي معه ؛ وقد عرفتي مكتبي وهذا رقم هاتفي وإن ضايقك اتصلي بي ؛وسأحضر بعد دقائق وسترين ماذا سيفعل شقيك !!!
قبلت السيدة العودة معه ؛ وعادت ولبست الحلي وانصرفا ومضى عدة أسابيع وإذ بهما يزوراني بمنزلي في القرية ومعهما أولادهما  الأربعة؛  والبسمة على محياهما ومعهما هدايا لي ذات قيمة .سررت جدا وشعرت بأنني أغنى رجل بالعالم ورئيس أقوى دولة قد انتصرت بحرب عالمية على أعدائها لأن الله وفقني وأصلحت بين زوحين ولم أطمع في المال لتفرقتهما …..تلك النزاهة في العمل تغني عن كنوز الدنيا

المحامي علي علايا **الشارع العربي**

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى