وقائع

انا وسائق التاكسي

كالعادة… أحب التنقل عبر سيارات التاكسي.. تخفيفا علي من مصروف البنزين… وراحة لي من قيادة السيارة…..

اليوم عند الثامنة ليلا.. ركبت في سيارة ليس فيها اي راكب…
تقدم بي قليلا… ثم تذكرت اني نسيت غرضا..
استوقفته وقلت له اعطيك زيادة 5000 ان انتظرتني قليلا..
قال حاضر…
أحضرت الغرض.. وقلت توكل على الله…

كان يقود بهدوء وصمت
وانا في ذهني احتسب الاجرة التي سادفعها…

فاذا بي انتبه الى ورقة على زجاج السيارة مكتوب عليها :
(خفف عنا الجدال… ادفع 15000 او خف عنا)

ابتسمت…. وقلت له:
15000 مرة واحدة…؟؟
فقال بحدة : نعم…. اتدري لماذا؟؟
قلت متهكما : اعرف السيمفونية سلفا… المازوت غالي وما عمنطلع حقو…
قال : المازوت غالي نعم… لكن هذا ليس السبب
قلت : ما هو السبب غير المازوت؟؟؟

اضاء ضوء السيارة قائلا :
انا اصلا معاق انظر الى ساقي والحديد فيها…
والسكري معي قد يصل احيانا الى مستويات عالية جدا

هنا تغيرت لهجتي التهكمية… وقلت : لا حول ولا قوة الا بالله

لا اعرف ماذا فعلت… حتى انقلب الهدوء والصمت الى سيل من الكلام
وجدت نفسي امام رجل جبل من الصبر والاحتمال ينفجر ويتكلم…
قال : عندي اربعة اولاد
مرض احدهم منذ يومين فصرت ادور كالتائه بسيارتي كي اشتري له الدواء… حتى استدنت ثمنه من صيدلي
اخي ترك لي 5 ايتام
امي وحماتي تحتاجان الى دواء
وزوجتي اريد ادخالها الى المستشفى منذ اسبوع وانا غير قادر
وهذه السيارة… هذه السيارة… ليست لي… يجب ان ادفع كل يوم 100 الف لصاحبها
وجرة الغاز في بيتي فارغة منذ عشرة ايام….

انظر هل معك راكب… انا اصلا… جئت الى هنا لآخذ دين من صديق فاعطاني 200 الف كي يتعشى الاولاد…
ثم هدأ
وقال : الحمد لله… الحمد لله
مع ذلك نحن بخير….

والله كنت استمع الى هذا الجبل وانا اقول في نفسي.. يا الله كيف وصل الناس الى هذه الحالة…وكيف يدبرون امورهم؟؟؟

فسألته : جرة الغاز عندك فارغة من عشرة ايام؟
قال نعم
قلت وماذا تاكل انت وعيالك وايتامك وامك؟
قال : عاللبنة يا معلم!!!!!!!!
قلت : لبنة!!!!
والغداء؟؟؟
قال :عاللبنة يا معلم
قلت : يا رجل… قل شيئا غير ذلك
قال : عاللبنة يامعلم…. والله العظيم لا استطيع شراء الفلافل…. هذا هو الحال… الحمد لله… ماذا يمكن أن نعمل؟؟

أخذت نفسا عميقا…..
تعمدت الصمت….
وقبل أن أصل بقليل
قلت له : تسأل ماذا يمكن أن نعمل؟ ساخبرك ماذا يمكن أن تعمل…
أولا : هناك صديق لي تواصل معي وقال لي اليوم أريد أن أتبرع بجرة غاز …
فإن جاء إليك أحد يريد غازا فلياتني بها كي أملأها له…
وبالتالي غدا تأتيني بجرتك ليملأها لك الصديق

ثانيا : أنت معك الآن 200 ألف دين من صديقك إحتفظ بها
هناك صديقة لي اعطتني 300 ألف وقالت إشتري بها دجاجا أو لحما لمن لا يستطيع
فما ستفعله الآن هو أن تأخذ ال300 الف.. وتتوجه فورا إلى أي مطعم فتشتري فروجا أو أكثر…
أو إلى أي ملحمة تعمل ليلا فتشتري لحما الليلة ..
اترك اللبنة في البراد من بعد أمرك…
الليلة لا تنام إلا وقد أكلت دجاجا أو أكلت لحما…..

صار يبكي…… يبكي…. يشهق… يبكي
عانقته وهو يقود…
والدمع يغرغر في عيني ايضا

وقلت له
أوتظن أن الله ساقك الى منطقتي عبثا؟
أوتظن أنك التقيت بي عبثا؟
أوتظن أن صديقي تبرع بجرة غاز عبثا؟
أوتظن أن صديقتي تبرعت بالمال عبثا؟؟
أوتظن أني نسيت الغرض عبثا؟
أوتظن أني قرأت الورقة على الزجاج فسألتك عبثا؟
إنه #الله…
سخر كل ذلك لك…. كي يفرج همك الليلة….

مسح دمعه… كرر حمده… وعبر عن شكره

أيها الناس
هناك من يعيش على اللبنة بصمت… ويعجز عن شراء الفلافل… ويحلم باللحمة…
أيها الناس إبحثوا عنهم….
رجاءا… ابحثوا عنهم

محمد أسوم  #وقائع_الشارع_العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى