قصص من الواقع

أخطر الأمراض في الكون بتقرير طبي.!.

خرجت اليوم متأخرًا على غير عادتي كل يوم جمعة ، حيث أواظب على إجراء فحص بالأمواج فوق الصوتية في مركز طبي في مدينة أخرى تبعد عن مدينتي خمسين كيلومترًا.
كان الجو ممطرًا ، أو بدأ زخات سريعة من المطر حالما غادرت مدينتي ، و في مثل هذه الحالات لا أحب أن أسرع لعدة أسباب : جمال الجو الممطر ، و الاستمتاع بموسيقى ارتطام حبات المطر بزجاج سيارتي ، والأمر الأخر هو تجنب الشبان الطائشين الذين ينتقلون من مسرب إلى أخر بسرعة ، بحيث لا تدري أي سيارة سوف ترتطم بك ، أو تدفعك إلى السور المنصف بين الطريقين.

بعد نصف ساعة من مغادرتي اتصلت بي مساعدتي في العيادة تسأل إن كنت آت أم لا ، قلت في غضون ثلث ساعة أكون بالعيادة إن شاء الله .
كان مدخل المدينة مكتظ بالسيارات على غير العادة بمثل هذا الوقت ، يبدو أن المطر المفاجئ قد أفشل مشاريع الكثير من العائلات التي خرجت للتنزه على الشاطئ ، فعادوا إما الى بيوتهم أو إلى مراكز التسوق .

وصلت أمام المركز الطبي و ركنت سيارتي خلف سيارة شبابية فارهة كانت تقف أمام مدخل المركز مباشرة ، وما ان نزلت من سيارتي لأسدد في الجهاز المخصص تعرفة موقف السيارة ، حتى شاهدت أحد العاملين في المركز يقترب من تلك السيارة ويشير في اتجاهي ، ثم نزل شاب نحيل من تلك السيارة ودخل إلى المركز .

عدت للسيارة واخذت حقيبتي وصعدت السلالم الأربع نحو الدور الثاني ، دخلت ردهة الانتظار ، كانت ممتلئة بالمراجعين الذي تبدو على وجوههم سيما التعب و المرض و الإرهاق ، وكان ذلك الشاب النحيل بثوبه الأبيض وغترته المنشاة يقف جانبًا يضع طرف غترته على أنفه ، تفوح منه رائحة العود وكأنه قد غطس في برميل منه قبل حضوره .

دخلت حجرة الكشف وبدلت ثيابي بسرعة ، لأن مريضًا آخر متأفف كان قد سبقني واستلقى على السرير كاشفًا عن كرش يعلو عن رأسه الذي رفعه قليلاً ماطًّا رقبته قائلًا : تأخرت علينا يا دكتور .
نظرت إلى ساعتي كانت تشير إلى عشر دقائق قبل الثانية ، وقلت له : بالعكس فأنا مبكرًا عشر دقائق عن موعدي .
أنهيت فحص للمريض ، لاسمع جلبة عند مدخل العيادة ، كان ذلك الشاب يجادل الممرضة يريد ان يدخل ، و بعد أن نظر نحو المرضى ، أشاحوا وجوههم عنه كي يدخل .
دخل حجرة الفحص وتلفت يمنة ويسرى ، قلت له : عذرًا هل تبحث عن شيء ؟
قال : وهو يهز جهازه المحمول بيده ، أين أضع حاجياتي ، افسحت له مكان على مكتبي ، فوضع جهازي محمول ، وسبحته و محفظة جيبه المكتنزة ونظاراته الشمسية ومفاتيح سيارته الأنيقة ، وعلبة السجائر وولاعته ، ثم نزع غترته وعقاله وبدأ يدور حول نفسه ، فاشرت له الى مشجب صغير خلف الباب .

استلقى على السرير و كشف عن بطنه الذي بدا أكثر نحولًا بدون الثوب .
سألته : خير إن شاء الله , مم تشكو ؟
قال : ألم في بطني ، لقد راجعت الكثير من الأطباء و المشافي دون جدوى ، وأجريت الكثير من الفحوص دون نتيجة .
أرشدني صديق لي أن اتي عندك حتى اعرف ما بي .
تبسمت وقلت : ولكني لا أعالج المرضى ، أنا فقط اجري فحصًا بالأمواج فوق الصوتية لهم .
قال : أعرف ، لكن اتيت على آمل أن تشخص حالتي.
قلت : خير إن شاء الله .
ودار بيننا الحوار التالي :
~ كم عمرك ؟
× ١٩ سنة دكتور .
~ منذ متى تشكو من هذا الألم ؟
× منذ أكثر من شهر .
~ هل يرافق هذا الألم او يسبقه او يليه أي اعراض أخرى ؟
× مثل ماذا ؟
~ غثيان ؟ إقياء ؟ إمساك ؟ دوار ؟ اضطراب تبول ؟
× لا أبدًا .
~ طيب متى يظهر الألم ؟
×وقت النوم تقريباً .
~ بس وقت النوم ؟ قبل الطعام ؟ بعد الطعام ؟
× لا لا بس وقت النوم .
~ يعني بالليل ؟
× لا دكتور ، وقت بدي نام او بعد ما استلقي للنوم .
~ آه ، ما هو عملك ؟ عندك ضغط عمل ؟ او ضغوط نفسية ؟
× لا … أنا لا أعمل .

توقفت قليلاً ، وبصراحة كنت أظن أنه رجل أعمال دخل معترك الأعمال مبكرًا .
قلت : لا تعمل أبدًا ؟
أجاب : لا أبدًا ، والدي شيخ قبيلة ولدينا حلال كثير ، ولست بحاجة للعمل .
أعدت جهاز المسح فوق الصوتي مكانه وجلست خلف مكتبي ، وقلت له : تفضل ، انتهيتا .
قال لي : طمني دكتور ، ماهو مرضي ؟
قلت : مرضك خطير جدًا ، وليس له إلا علاج واحد ، وهو مرتبط برغبتك وقدرتك على البدء به .
قال : مهما كانت كلفته وفي اي مكان كان ، والدي مستعد ان يعالجني منه .
قلت : إذن قل لأبيك ان مرضي هو الفراغ ، العطالة ، الحياة دون هدف ، قل له أن تخرج الى الصحراء ترعى الحلال ، او يجد لك عملا يلهيك عن عد ضربات قلبك ، و التنصت لحركات امعائك ، قل له أنا شخص اعتاد ارتياد المجالس و اضاعة عمري وشبابي ، أنا شاب اعتدت أن أكون ذكر فقط ، ذكر هناك من يخدمه ولا أعرف ماذا أفعل غدًا إن غار الماء و مات الزرع وجف الضرع ؟

نظر إلي مليًا وقال : هل تمزح معي يا دكتور ؟
قلت : لا ليس من عادتي ان ارفه عن مرضاي واروي لهم الطرف و النكات ، إنما اقول لهم الصدق و ارشدهم لما يفيدهم .
ثم قلت له : هل رأيت أولئك الذين كنت ترفع صوتك عليهم ، وتزاحمهم للدخول ؟ أولئك هم المرضى ، الذين يدخلون ويتمنون ان أقول لهم ، الحمد لله ان الفحص سليم ، كل ما في الأمر أنها لفحة هواء بارد ، او قليل من الغازات ، تحتاج فقط لقليل من الطعام الصحي وكفايتك من الماء لترجع كما كنت .
ذلك هو المريض الذي يخرج فرحًا يدعو لي ان لم أقل له انه مريض ، او أنه بحاجة لجراحة ما , ويدعو لي حينما أقول له كلمة تطيب خاطره .
هل تعلم لماذا ؟
اكفهر وجهه و هو يلملم ما وضعه على المكتب وانصت .
لان صاحب العمل قد يرفض علاجه ، ولانه سيقتطع كلفة علاجه من قوت اولاده مرتين ، مرة حين يسدد فاتورة علاجه ، ومرة حين يضطر للبقاء في فراشه ريثما يشفى ، فلا عمل ولا مال ليرسله لهم .
طبعت له تقريره :
Radiologist opinion :
Normal study

د:سليمان_عمر**الشارع العربي **

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى