قصص من الواقع

الجريمة والقاضي

 

أبشع جريمة مرت علي كقاضي

أثناء عملي في النيابة العسكرية وقاضي تحقيق مدني رأيتُ من الجثث بكل صورها من رأس متهشم و جسد فقد معظم أجزاءه وأشرقت على تشريح جثث وفك رؤوس لاستخراج مقذوفات , لكن كل هذا كان عندي عادي . إلا تلك الصورة التي لم أستطع مسحها من ذاكرتي : باختصار حدثت جريمة قتل إمرأة خنقاً و أُخبرتُ بها بعد ثلاثة أيام بعد أن طُمست أكثر الأدلة المفصلية . ملخصها : تزوجت المغدورة في قرية سكانها من عائلة واحدة ليس بينهم غريب سوى المغدورة كانت زوجة أحدهم . لم يكن لها أي مشكلة مع أحد ويحبها زوجها . فالصورة المرعبة : ذات صباح وجدوها مقتولة خنقاً وطفلها الكبير ذو السنتين يلعب بجانبها ينتظرها حتى تفيق وطفلها الآخر الرضيع على صدرها يرضعُ من ثديها .. هكذا مسرح الجريمة .. بعد ثلاثة أيام علمت بأن التحقيقات قد بدأت والعمل جاري لإخفاء الحقيقة . فطلبت أن أكمل التحقيق لأنه من إختصاصي , فبدأتُ من جديد وكأني أبحث عن إبرة في كومة قش . تحمستُ لهذا الطفل الرضيع معتمداً على الله ومهارتي , قلبتُ كل شيء رأساً على عقب ولم أدع شعرة على مكنسة أو لُعاب على الأرض ولم أحفظه للتحليل . المشكلة القرية أحسوا أنني مصمم وقادر على كشفها بعدما كانوا مطمئنين فأصروا على الإنكار حتى الموت .. أوقفت عشرة أشخاص ومنهم نساء ( الخنق غالباً تستخدمه النساء ) . كنتُ في النهار أسمع شهود وفي الليل أسهر مع الموقوفين والشرطة . لم أدع وسيلة للتعامل مع الموقوفين لم أتبعها حتى كنت آمر الشرطة بضربهم جميعاً وبقوة حتى أصبحت الشرطة تخشى موت أحدهم وكنت أقول لهم أنا المسؤول لو مات أحدهم , لكن كنتُ أتابع نظراتهم وهم يقولون لبعضهم : إياكم وتعترفوا حتى نتدبر أمرنا معه . سمعت في غضون إسبوع أكثر من خمسين شاهداً و عدة زيارات لمكان الجريمة وأخيراً حصلتُ على دليلٍ قطعي . إستدعيت الطبيب الشرعي ليلاً فأكده لي حصرتُ الجريمة في النساء, فهنا أخذ التحقيق شكلاً آخر .. أيعقل أن تعدم إمرأة . لا أبداً فهم يضحون بعشرة رجال وعشرة ملايين مقابل إمرأة .. أصبحت في الأسبوع الثاني وأنا فرح لأخذ حق طفلها الرضيع وأنا أُعزز الأدلة وأحبكها لأنني أعرف لن تكون القضية على خير حتى أصبحت أسابق الزمن . لكن فرحتي لن تكتمل فبدأ فاعلي الخير يتوافدون من كل حدب وصوب حريصين على براءة المجرم .. الطريق إليَّ مقطوعة لكنهم حاولو دفع ٤ مليون فقط للتنازل عن الملف وكما هو. ( مجرد توقيع صغير ) . بعدها أصبحتُ أنا المتهم لكوني منحاز , لكن لمن ؟ طلبو مني رسمياً وبالتهديد أن أتنازل فرفضت . ولكن سُحِبَ الملف مني حيلةً من كبار القضاة . ذهبتُ للوزير وقلت له: إما الملف أو إستقالتي . فقال : بل الملف ولكن للأسف لم ولن يعد لي .. بداؤا يحققون معي ونشرت الصحف حتى أسكت وأنسى الموضوع . الغريب بالأمر حتى أقنعوا أهل المغدورة بالشكوى علي وأنا كل تحقيقاتي لصالحهم .. عُزلت بعدها طبعا لسبب آخر وما أكثر الأسباب عندي من أمنية وقصر جمهوري وأسرة قضائية .. الغريب الآخر : بعد أن عُزلت طرق رجل الباب يلبس فروة فأدخلته ولا أعرفه كضيف , قال لي : تعرفني ؟ قلت : لا . قال : أنا الذي كنت تحقق معي وتضربني حتى الموت وهو يبتسم . قلت له وماذا تريد مني لقد إنتهى دوري منذ سنتين . قال : أعرف أنه إنتهى دورك ومع مافعلته بنا لا أحترم أحداً غيرك لكن أنت لديك أسرار القضية فهل تتوقع إعدام البنت ؟ قلت : لو كنتُ أنا لأعدمتها وشريكتها ولكن لا تخاف نجوتم في الدنيا والله أعلم في الآخرة . قال : طلبت من شخص أن يوصل لك ٤ ملايين لتتنازل عن الدعوى فهل بلغك ؟ قلت نعم ولكن لو ملئت هذه الغرفة ذهباً لما أنغررت . قال لو طلبت عشرة ملايين لدفعت لك .. للأسف شروها بثمنٍ بخس

حسين برهو حسين ** الشارع العربي **

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى