خواطر

إلى ولدي الحبيب

ولدي الحبيب ..

أرجو أن تكون بخير ، لقد أشتقت إليك كثيرًا ، نعم أنا وانت نتحدث كل يوم ، وربما نقضي ساعات على الهاتف لكن اعتبر ذلك غير كافِ ، بل اعتبر نفسي مقصر في حقك وحق أختك ، لكنها الظروف التي جعلت كل منّا في بلد ، هذه الظروف فرقت بين الكثير من الأسر ، و باعدت بين الأحبة.

أود يا بني أن أنقل لك خلاصة تجربتي في ثلاث وخمسين سنة مرت من حياتي ، تسعة عشرة ألفًا و ثلاثمائة وخمس وأربعون يومًا عشتها ، بحلوها ومرها ، فيها من الذكريات ما يمكن خطه بمجلدات .

أي بني إياك أن تبني عالم ” يومًا ما ” فهو عالم مليء بالمبررات والأعذار .
مؤكد أنك تتساءل الآن ما هو هذا العالم ، ” عالم يومًا ما ” .
إن هذا العالم نبنيه ونعيش فيه لنبرر لأنفسنا تسويف كل شيء ، هو عالم مليء بالأعذار .

إن اللافعل يا بني يستهلك منّا طاقة وجهدًا كبيرًا ، بل إن ما يستهلكه هو أكثر من طاقة أن نفعل هذا الشيء .
سأعطيك مثالًا بسيطًا يتكرر كل يوم ، الصلاة مثلًا : كم مرة سمعت صوت المؤذن وقلت في نفسك ، حسنُ أنا مشغول الآن ، سأصلي حالما انتهي مما في يدي ، وقد تمر ساعة وأخرى وانت لم تصلٕ ، فهل فعلًا كنت مشغول ؟ وما هو الأمر الذي كنت مشغول به ، هل هو أهم من الصلاة ؟.

كم مرة قلت أني يجب أن أقرأ هذا الكتاب ، ثم مسكت هاتفك تتنقل من موقع لموقع ، تبدد ساعات وساعات ، ثم تجد أنك قد أضعت وقتك .

يا ولدي إن فعل أي شيء صعب في أوله ، فقراءة أول صفحة لا تعني كل شيء لكنها مهمة لكل شيء ، وإن أول حجر يوضع في البناء ، قد يحتاج تراه أمر بسيط لكنه يؤسس لناطحة سحاب ، إن الصاروخ حين ينطلق يستهلك جل وقوده ليتحرر من جاذبية الأرض ثم يندفع بخفة إلى هدفه ، فقط يحتاج إلى توجيه .

يا بني لا تقل سأفعل إنما بادر بالفعل ، إن البدايات صعبة ، ولكن عليها يبنى كل شيء ، لا تسوف ولا تنتظر الظروف ، بل اصنع انت الظروف ، إن التسويف و الانتظار يجعلك تفقد الفرص .

أرجو أن تكون قد فهمت قصدي ، لقد مررت يا ولدي بمواقف قلت فيها : إني مشغول ، سأفرغ نفسي لفعل كذا لاحقًا ، يوما ما سأفعل كذا .

إن ذلك اليوم لم يأت لاني فوت الفرصة التي كانت أمامي ، وحين أتى كانت قوتي أضعف من أن أفعل ما أردت .
و حين قلت أني مشغول ، تبين لي أن ما انشغلت به كان أقل شأنًا وفائدة لما انشغلت عنه .
فلا تضيع وقتك يا صغيري وتقول يوما ما ، لأننا حين يأتي هذا اليوم ، فإننا قد لا نكون فيه.

أرجو أن تصلك رسالتي وأنت بأحسن حال

والدك المحب لك دومًا

 

د :سليمان_عمر الشارع العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى